|
صالح أبو شندي... صلابة في الخط وقوة في التعبير
لمسة ألوان من قرن مضي
مؤيد داود البصام
بدأت مسيرة الفنان صالح ابو شندي منذ عام 1953، عندما شارك مع مجموعة من الفنانين الأردنيين مهنا الدره ورفيق اللحام وآخرون في معرض جماعي، ثم توالت مساهماته الجادة في إقامة المعارض الفردية والجماعية منذ عام 1977. حصل علي بكالوريوس فنون جميلة من جامعة حلوان - القاهرة عام 1969، وماجستير في التصميم العملي والصناعي من جامعة برودا. كجارات. الهند عام 1992، ودرجة الدكتوراه في التصميم كرافيك، من جامعة برودا .كجارات . الهند عام 1999.
ويشكل الفنان صالح أبو شندي مع مجموعة معدودة من الفنانين الذين ما زالوا يمارسون فن الرسم، ويحسب من الفنانين الأوائل الذين اثبتوا حضورهم في الساحة التشكيلية الأردنية منذ ستينيات القرن الماضي، تواصلاً مع فن الرسم نظرياً وعملياً ، عبر المعارض التي أقامها أو إشترك فيها مع نشاطه التدريسي في الفن التشكيلي خلال العقود الأربعة الماضية،
إلي جانب تجاربه الحداثوية في بناء اللوحة، فقد ظل لفترة من الزمن يتعامل مع اللوحة كعمل تخطيطي لموضوعة نحتية يعبر بها عن شغف في حفر الخط علي سطحها وكأنه ينحت، (من تأثير ولعه بالغرافيك، وتأثير دراسته) وأستمر يصب اهتمامه علي الخط وقوة التشريح لشخوصه، وإذا عدنا إلي أعماله في سنين الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي واشتغاله علي تخطيط المدن، وعرضه لوحات لأعمال تخطيط المدن الأردنية في أواخر الستينيات من القرن الماضي، فإننا سنري أن تلك الفترة وضحت هذه القوة والدينامكية والتصميم المحكم وصلابة الخطوط، بناءا علي رؤية في اختيار المكان وهندسة الزوايا، وما زالت بعض تكويناته الحديثة تحمل أثار مؤثرات ما أنتجه في تخطيط المدن، وأن دخلت فيها الزخرفة والرموز واهتمامه بالوجوه التي تظهر قساوتها بحدة الخطوط التي يحدد فيها تشخيصاته، إلي جانب ذلك إهتمامه بدراسة الشخصية وتحولاتها النفسية، ويتلاعب بالأبعاد من دون أن يخرق القواعد، إلا أنه في الآونة الأخيرة أخذ في تجارب تغيير نمط بناء اللوحة التشخيصية، مع استمراره في الاعتماد علي الخط كبناء مدعم لأسس التوازن العام، وأخذ في إلغاء التشخيص التدريجي ليحل محله أشكال تعبيرية ورمزية، أشكال متعددة البني وبعضها تجريدية علي سطح اللوحة، مما جعل الكتلة تسبح في فضاء سطح اللوحة، بالرغم من ارتباطها عبر سلسلة خطوط شبه واهية، لتشكل مساحات الفراغ في اللوحة الجزء الذي يقترب من أشكال الفنان كاندنسكي، يتداخل فيها مع عوالم كاندنسكي أكثر من عوالم أعمال الفنان ميرو، ذات الفضاء الواسع والفراغ البين بين الكتل، ولكن كل من ميرو وكاندنسكي اللذان اشتغلا علي مبدأ اللاتمثيلي أو اللاتصويري، كان تجريدهما صافي إعتمد علي تبسيط الشئ بألوان نقية اغلبها لا تمزج بلون آخر إلا ما ندر، والفنان صالح أبو شندي يأخذ نفس الأسلوب بالابتعاد عن التشخيص واللاتصوير، ولكن حسب رؤاه اللونية التي يضفي عليها مسحة من الضبابية، وتحديد للكتلة باللون الأصفر لإبراز الفضاء، ويأخذ الفراغ وجوده بين الخطوط أو الوصلات البسيطة باستخدام تحديد الأشكال باللون الأصفر، (الذي عبر عبر لقاءاته عن شغفه باللون الأصفر، لأنه يمثل لديه الشعور بالحيوية والتجدد والإستمرار، وامتداد الروح الدينية، ويضيف ولعل ذلك أيضا بتأثيرات والدي بحب اللون الأصفر وما كان يجلبه للبيت دائما من ورود صفراء)، كما أنه يحمل كتلته الرموز والزخارف بكثافة ليشتت قيمة الكتلة البصرية واختراق الحاجز بينها وبين المتلقي، وهو ما يتيح المجال للفراغ لإبراز الزخارف والرموز التي أتقنها وعاشت معه خلال العقود الماضية كجزء رئيسي في بناء نصه، والتي رسخت نفسها في الرؤية البصرية للوحته خلال تلك الفترة كونها أكثر قرباً إلي الفن الغرافيكي منها إلي الرسم، كما نجدها في أعمال الفنان بول كلي التي يؤكد فيها علي الخط بأسلوب الغرافيكي، والكتلة في لوحاته متحركة، حتي وهي ملغزة بالرموز والزخارف التي يستلها من التراث الشعبي المحلي، (الأردني الفلسطيني)، فهي في حالة حركة، تعبر عن حالة التعقيد والتشابك في الكتلة الواحدة، وتنقل لنا الجو الصاخب الذي يتحرك في داخل وجدان الفنان مع حالة القلق التي تظهر واضحة في كل أعماله، وعلي الرغم من تحولات بناء اللوحة الا اننا نستمر بملاحظة هذه الغربة والقلق من خلال هذا البناء المتعدد الأنساق والعناصر برموزه وزخارفه المتوقدة الحياة، ففي العناصر الجزئية التي ينشرها في لوحاته، نجد هذه الحركة الدأب للعناصر المكونة للوحة، وهي في الأخير تعبير عن شعور لدي الفنان أن هناك خواء تعبيري تحمله مشاعر الخيبة من الواقع، وعلامات لأشياء تنقص في الحياة ولا تكتمل، حالة من القلق المستمر والبحث عن السكون والاستقرار المطلق الذي يحاول أن يصل إليه، أمام ما يحسه من قسوة الإنسان، الرغبة في الوحشية التي يكتشفها تنبع من أعماق الإنسان، ولهذا فان تكويناته مزدحمة في صراعها، وجوهاً قاسيةً، أيدي متشابكة، يحددها الخط الصارم باللون الأسود، فيها ذلك الغموض الذي يصور عالما ملئ بالأحلام والكوابيس، إن لوحة الفنان صالح أبو شندي زاخرة بتقنية وإمكانية خطية ولونية، ولكنها ما زالت تعيد نفسها نصاً، وهي المسألة غير المفهومة، فهذا لا يمثل وحدة الأسلوب، لان العصر عصر تجارب وتحولات، والفنان أبو شندي أصلاً منذ فترة طويلة يخضع لوحته للتجريب، ويتعامل بحرفية ومنهجية صارمة، والمحاولات الأخيرة لديه في بناء اللوحة، تظهر هذه القدرة الرائعة التي يتمتع بها، إذا أستمر في توظيفها بما يملك من خزين وتجارب، فهو فنان مهم علي كافة الأصعدة في بناء اللوحة وتوازناتها، لوناً وقوة في صلابة خطوطه. |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق