|
هيلدا الحياري.. تعبيرية التجريد أم تجريدية التعبير؟
اقتراب وابتعاد في آن عن المحسوسات البصرية
مؤيد داود البصام
الفنانة هيلدا الحياري، إحدي الفنانين الذين صاغوا حراكهم الفني، عبر إطلاق رؤاها الذاتية علي ظهر اللوحة، من دون وضع القيود علي الرغم من تمكنها من القواعد والأسس التي شكلت رؤيتها البصرية مع أفكارها، فقد مزجت بين دراسة العلوم السياسية وعلم الاجتماع الذي نالت درجة البكالوريوس من الجامعة الأردنية عام 1990، وبين إختيارها فن الغرافيك لتحصل علي البكالوريوس (حفر وطباعة) من جامعة الزيتونة عام 2003, وواصلت سعيها في الحفر لإيجاد قيمها الجمالية، بين تجريد اللوحة من أي شكل تشخيصي، وبين تجريد التشخيص، وهو ما اشتغلت عليه خلال السنين الماضية، وتأكيد جمالية تناسق الألوان في أعمالها التجريدية التعبيرية من خلال تسطيح اللوحة وإظهار الفضاء كبعد وحيد علي السطح ومن ثم الحفر رسما بالفرشاة أو بالسكين، لأشكال خارج إطار الواقع ولكنها تستند إلي أبعاد رئوية خاصة بمفاهيمها التي صرحت بها من خلال المقابلات واللقاءات التي أجريت لها، لتعطي بعدا ً فكريا ونفسيا ً لابداعاتها الجمالية، فلقد كانت بداياتها تأكيد علي الإظهار اللوني، وإبهار بالتشكيلات اللونية، وهذا الفضاء وفر معاينة اللوحة ببعد واحد، ولكن هذا الإبهار الذي تقدمه الرؤية النظرية للوحة من بعد، يتحرك نحو رؤية بصرية مغايرة عند الاقتراب من اللوحة، لمشاهدة الخطوط والمنمنمات التي تضعها، إن اللون له تأثيرات متباينة وجاذبية خاصة في إظهار التباين في التكوين، ومؤثراته مباشرة علي الرؤية البصرية التي تشعرنا بالمتعة الذهنية والحسية، ولكنها عادت لتتخذ موقفا بعدم تخلي لوحتها عن التشخيص في الأعمال اللاحقة التي قدمتها، مصاحبة لفنتازيات الألوان التي تشتغل عليها، وبدأت في محاورة التشخيص بعلاقة تدريجية منذ عام 2004 ، محاولة في إيجاد الروابط بين رؤيتها البصرية، والمحمول السردي في أفكارها، فهي لا تبتعد عن التماس مع هذه الأشكال البصرية التي تبدو بدائية، ممثلة لتلك الهواجس والأفكار ألجوانية، محولة إياها إلي قيم جمالية تستقيها من رؤيتها لوقائع بصرية كما سبق القول خاصة بمفاهيمها، ثم تتحول من وقائعها الحياتية إلي فنتازيات رئوية، تصور العالم حسب رؤية بصرية يختلط فيها الحلم بالواقع، وضمن تصوراتها للعالم والوجود، وذلك بطرح فلسفة النص ضمن مفهومها الخاص، وهو ما يوجد أبعاد لهذه العلاقات التي تحكم عناصر لوحة الفنانة هيلدا، يتملكها رؤية بصرية تعتمد علي اللون لكشف العلاقة بين الوعي واللاوعي، فهي تشتغل في مساحة اللاوعي، لإنضاج تجربة كشف المعاناة الداخلية بما تتيحه لها أفكارها المسبقة عن عوالمها الخاصة بها، فهذه الأشكال البدائية التي تتحول في بعض اللوحات إلي تكوينات هي أي شئ ممكن للمخيلة أن تتصوره، تكشف عن الصراع وفورانه في دخيلة الفنانة، أو الأفكار التي تعتقد أنها ممثلة لمرحلة معينة من تصوراتها الوجودية، لتظهر هذه الأشكال التي تنحاز كليا في البحث ببيئة تشكل كتلها والهيئات والأشكال داخل فضاء اللوحة، أو ما يحتويه الفضاء لإيجاد قيم جمالية بالتعبيرية التجريدية، أو بالتجريدية التعبيرية، وهو الفرق الذي تلجأ إليه للإشتغال بأعمال تجريدية تعبيرية، عندما تفلت منها لحظة الامساك بالفكرة التي تلح عليها ولا يمكنها من تنفيذها، فيأتي هذا الشكل التجريدي التعبيري وتنزاح التعبيرية إلي المرتبة الثانية في الكشف عن أبعاد لوحتها، وفيها تتأجج لحظة الحماس والعاطفة التي تخرج البناء الفني عن حدوده النصية، ويصبح مجرد عالم من الألوان يغطي سطح اللوحة ببعد واحد وبفضاء والبيئة التي اشتغلت عليها، لتبرز لنا لحظة نهاية الصراع والثورة الداخلية، وهذه المرحلة استغرقت لديها عدة سنوات عرضت فيها الكثير من الأعمال التي تعتمد علي فنتازيات الألوان، بعكس ما نجده في لوحتها التعبيرية التجريدية التي تلجا فيها إلي التسطيح، وتتمثل لديها الحركة بالسكونية والهدوء، ويبرز الشخوص وهم في حالة اندفاع إلي الأمام وكأن الصراع متقابل، والكتلة المتمثلة بالشخوص أو الألوان، كأنها تحاور بعضها البعض، مع تسطيح الخلفية التي تظهر حيادية في الشكل واللون باستخدام اللون الرمادي أو الألوان الحيادية، والفضاء الممتد مع امتداد شخوصها في صراعهم المتقابل، ولهذا فان لوحة الفنانة هيلدا الحياري، تقسم نفسها نصفين في حوارية سردية، الأول ما يمكن أن نسميه جوازاً لحظة تصادم الداخل مع الخارج، فتكون لدينا لوحات تجريدية تعبيرية، خلو من التشخيص وتأكيد علي اللون وما يؤثره علي الرؤية البصرية والجاذبية التي يشعها ، بالاخص عندما تكون الألوان الحارة هي السائدة، وفي الجزء الثاني، في تصادم العالم الخارجي مع عالمها الداخلي، تظهر لنا لوحاتها التعبيرية التجريدية، التي يحتل التشخيص الصدارة مع حيادية الخلفية كسطح ولون، وأخذت نقوشها وزخارفها مساحة كبيرة علي ظهر الكتلة، التي كانت تظهر في أعمالها السابقة كنقاط أو تضمينات بسيطة، تبرز بقوة لتنشأ لها وجودا متداخلا مع الكتلة الرئيسية، أو التشخيص، ليضفي عليها طابعا جماليا، مع الشكل العام، إن التشخيص الذي تعمل عليه بإدخال المنمنمات، يمنح لوحتها انطباع تكميلي إلي جماليات اشتغالها علي اللون كقيمة جمالية مستقلة في بناء اللوحة، ويمكننا رؤية هذا البناء الذي يعطي للعناصر قيمها كل علي حدة، وليس كما هو متعارف يمثل عنصر واحد، فعملية تجميع العناصر للاظهار الكامل هو بوحدة النص سرديا، وهذا الاشتغال الذي واكبها خلال مسيرتها الفنية عبرت عنه بشغفها في التجريب، فقد كانت أعمالها كما سبق القول خلو من التشخيص، لكن بدأت في كل معرض متأخر قدمته، تشتغل لإنضاج التجربة ولا تتركها الي تجربة أخري مغايرية وبعيدة عن التجربة الأساس، وهي بهذا تحقق وحدة الأسلوب علي الرغم من إشتغالها بالتجريب أساسا ً، ويتحرك الساكن والمضمر في لوحاتها ليندفع إلي الأمام ليبرز كشكل له وجود بين العناصر المتفاعلة، فما نجده بقع لونية كشكل جمالي، ليس لها معني معين، تضخمت لتكون أقنعة ووجوه، وتحويرات لأشكال بشرية، نساء بأوضاع مختلفة ومتعددة، مع دخول مرحلة زخرفة التشخيص بالمنمنمات، وتسطيح التشخيص، محورة بناء اللوحة نحو أبعاد جديدة ولكنها مكملة من الاشتغال الأول الذي اتسم بالفطرية والروح البدائية، وما مثلته الثقوب والبروزات لأشكال من عوالم أخري تشبه صور الأشكال الموجودة في الكواكب الأخري أو علي سطح القمر، في لوحاتها ليتم تركيزها علي البناء العام للوحة وتوازنها، بإيقاع موسيقي متناغم، مع كل تجربة تخطوها لاثراء العمل... |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق