الخميس، 13 أكتوبر 2011

وداد الأورفـلي ... نخلة عراقية تربق عسل الألوان ... قباب الجوامع والكنائس تهتز جذلة على وجه دجلة



وداد الأورفه لي.. نخلة عراقية تريق عسل الألوان
قباب الجوامع والكنائس تهتز جذلة علي وجه دجلة

مؤيد داود البصام:
تجرنا لوحات الفنانة وداد الأورفه لي إلي الغرقُ في بحر الشوق والهيام، إلي الأمل الذي يحمل مُني كل معشوق للقاء المحبوب، اللحظة الابدية التي تتكثف لتحيل الذرات إلي كتل مهولة من الهيام والشوق، يحسبها في الزمن الدهر كله، يتوه ويدور وينسل بحثا في مدن واقواس وبساتين وانهار، وقبب وشناشيل وطيور من الحلم والفنتازيا من قصص الف ليلة وليلة، لعالم من الغرابة والمتعة والدهشة، تدخلك أبواب وأنت تتحسب لخطواتك، عالم السحر والافتتنان بالالوان والرقة والموسيقي، مدن تعرفها ولم ترها، تحس انك رأيتها، وتسأل نفسك، لا... قرأت عنها، شئ من هذا القبيل، توقعك في الحيرة، وأنت وسط اللذة والنشوة، لامركزية الرؤية البصرية، التي تضيع بين الألوان والهندسة لمدن ومناظر متداخلة علي امتداد اللوحة، وتعود للسؤال الذي يظل بلا اجابة، لانه متعدد، هل هذه مدن وقصور الامويين ام العباسيين، ام انني اشاهد الاندلس وغرناطة، وابحر في زمن غير الزمن الذي انا فيه، لكنني أري بغداد ودمشق والحواضر الأندلسية في اسبانيا وقصر الحمراء والكنائس الغوطية والجوامع في اسطنبول، أم أنها بغداد هارون الرشيد، وهو ما يجعلك تسرح مع موسيقي تنبثق من الالوان كانها شلال هادئ ينساب من علو دون ان يحدث اصوات الطبول والصناجات، صوت الفلو وانسيابية الالحان في الناي، يكتب جبرا ابراهيم جبرا في دليل معرضها (تشاهد رسوم وداد الاورفلي لاول مرة فتفاجأ: كأنك فتحت بابا مغلقا باحكام، وأذا أنت وسط أضواء وموسيقي في قاعة فسيحة، ليس فيها أحد، ولكنك تحس بأنك محاط بهمسات أناس محتشدين وللحال، تنقلب بك الأحاسيس، وانت لاتستطيع التأكد من سر دهشتك سوي أنك تتلذذ رؤية، وتتلذذ بما يوحي همسا اليك، والرؤية تتيه بك مكانا وزمانا، ماضيا وحاضرا وكذلك الهمس.).

رواد الفن التشكيلي
لوحات الفنانة وداد الأورفلي، التي عاصرت رواد الفن التشكيلي العراقي، وفترة الحماس لخلق معمار للفن العراقي خاص يستمد اصوله، من فهم تاريخه وتراثه العربي والاسلامي وينفتح علي المدارس العالمية ليستقي منها التقنية، ولا يستنسخ التجربة، في مثل هذه الاجواء الحالمة بتغيير الواقع، وبناء واقعا حالما جديدا، غمست الاورفلي أناملها لتبدع، مدنها وقصورها وانهارها وجوامعها وكنائسها، بعد أن تشبعت في الحلم كرؤية ورؤيا، فهي لا تخفي تاثرها، حينما تقول (كنت في أسبانيا وأمام قصر الحمراء، شاهدت زخرفة قصر الحمراء. واستوحيت منه كل ما هو منمنم من الفن الاسلامي وزخرفة الكنائس والسجاد، وحتي الملابس..) ، تمثلت هذا الوجود الحضاري الذي حمله تراث عقود وقرون من الفن العربي والاسلامي، الذي امتص فنون وحضارة البلدان التي وصلها، وتشبعت بروحية الشرق كونه عالم التخيال، وهو الفرق الذي أدركته بين رؤية الفنان الغربي والفنان الشرقي للوحته، المناهج والاساليب الفنية الغربية، تمثل بنية الانسان الغربي، فالتكعيبية وغيرها من مناهج واساليب الفن الحديث، هي الافرازات الفكرية للتطورات العلمية والاقتصادية بعد الثورة الصناعية، وجاءت منسجمة مع البناء المادي للانسان الغربي، لكن الشرقي تبقي لديه رؤيته التي يتمتع بها بخلاف الغربي، فالمشاهد الشرقي تبهره لوحة لمنظر طبيعي او للتشخيص في أعمال فناني عصر النهضة، أو عمل من اعمال روبنز او ديفيد او رامبرانت أو اعمال الفنانين الصينيين واليابانيين الطبيعية، أكثر من اي لوحة في الفنون التكعيبية والتجريدية، علي الرغم مما تحمله اللوحة من قدرات فنية وتقنية ورؤيا في الاداء، وهو ما ادركته الشاعرة والموسيقية وداد الارفه لي بحسها الفني العالي، لتوظب كل قدراتها الفنية واحاسيسها المرهفة، من خلال دراستها للموسيقي ووصولها لمرحلة التاليف الموسيقي، وكتابة الشعر، هذه البنائية لعدد من الفنون الحلمية مجتمعة، جعلتها تعمل نحو ايجاد نمط ابداعي للذاكرة لها مرجعيتها، أدخال الرموز التي استعارتها من مشاهداتها وتأملاتها في الفنون الشرقية، عبر الزخارف الاسلامية والتشكيلات الهندسية التي تضمها، أعمال الفنان الاسلامي في شرقه وغربه، لربط هذه الاشكال بشموليتها بالبناء الفني، الذي ياخذ في اعمالها المتاخرة الاشكال الهندسية اساسا لبناء اللوحة الفني المدروس علي ظهر القماش، المنمنمات والزخرفة التي وظفها الفنان الاوربي في اعماله مستفيدا من الحركة البصرية التي تحدثها، ولكن عند الفنانة وداد هذه البنائية التي تشكلت بصياغة الشمولية الرؤوية لفن الزخرفة والمنمنمات، تكثيف في اللون ومساحة أكبر لتركيب الرؤية ضمن فضائها المتسع، وتاكيدها في بناء اللوحة أن تحمل نسمات وروائح بغدادية، وهي المشاعر التي يحسها الواقف أمام لوحتها الحلم، وكأنه يعيش احساس من يصعد قاربا في نهر دجلة أيام هارون الرشيد، او يلج بستانا، انها لحظة الإمساك بالزمن والتغريب في داخله.
مؤثرها الإبداعي والفعل الإبداعي في التشكيل العراقي
لم يقتص الدور الذي لعبته الفنانة وداد الاورفلي، في الحركة التشكيلية العراقية، بخلق الموسيقي والرمز وتاكيد الحلمية في النص، ولكن فيما قدمته علي الصعيد العملي لاستمرارية الحركة في عطاءها عندما اجدبت الحياة بمختلف اشكالها نتيجة الحصار الظالم الذي فرضته القوي الامبريالية علي العراق لمدة احد عشر عاما، فهي المولودة في احدي أعرق مناطق بغداد (البتاويين) لاسرة برجوازية ذات طابع ارستقراطي في حياتها اليومية، اتاح لها الجو العائلي أن تمتلك حريتها الفكرية والعملية في اختيار مستقبلها، وسيكون نفس الخط ينطبق علي حياتها الزوجية، بوجود الرجل الذي تفهم حريتها الشخصية والعملية، وهو الذي أهلها لتقديم عطائها الفني في بنائية الحركة، باقامة اول قاعة للعرض أهلية في العراق، ولاشك أن خط الحرية الذي واكبها من بيت العائلة الي بيت الزوج، الذي كان يحمل النظرة التقدمية لدور المرأة في الحياة ذاتها، أهلها لان تقدم مشروعها في احتضان أعمال الفنانين العراقيين، اذا كان في مدينة بغداد أو في مدينة عمان، بعد ان غادرت علي أثر الاحتلال، وتدمير القاعة التي اسستها في منطقة المنصور في مدينة بغداد، وسرقة الاعمال التي تحتويها. اننا اذ ناخذ اعمال الفنانة وداد، التي تنقلت من واقعية في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ثم تحولها الي الانطباعية، واعمالها التكعيبية والتجريدية، فان الروح التجريبية، هي التي حملتها لان تصل الي استيعاب التقنية الحديثه بفهم لتاريخها وتراثها ولواقعها ، وفهم لروحية متلقيها، فكانت هذه اللوحات التي تحمل روح الشرق وحلمه الخالد، للتمسك بالزمان والمكان، واعادة الذاكرة مشحونة برؤي صوفية، فهي تعيد بناء مدننا، وترسم المدن التي نحلم بها، بحساسية ورهافة تتخللها موسيقي، تنبع من بين الخطوط والالوان، وبهذا صاغت حلما أثر في أعطاء اللوحة عمقا ومجهولية. وهو العمق الذي جعلها قريبة من الاحداث، ومساهم فعال في التعبير، فهي لم تكن بعيدة عن معاناة شعبها في العراق او في العالم العربي، فكانت اعمالها (فلسطينيات) و (معرض النكسة في صور) ومعرض (الكرامة) تعبير عما تعيشه في داخلها، وكما حملت آلام الامة ومعاناتها، حملت آلام شعبها ما بعد الاحتلال فالفت موسيقي واشعار في التغني ببغدادها والعراق، ولعن الاحتلال، وهو الموقف الذي اثر في طبيعة الحركة التشكيلية العراقية، التي ظلت محافظة برموزها علي وطنيتها، ورفضها للاحتلال، ولم تنجر الي مواقع ما اريد للفن العراقي من الانحطاط، من لحظة البدء بتخريبه، حينما منح المحتل عصابات اللصوص مجال تخريب وسرقة التراث الفني العراقي.

الغربة تزرع في قلب الحدث
ما هو نص لوحة الفنانة وداد ؟ أن الاعمال الأخيرة للفنانة، فيها هذا الاستشعار للحنين والشوق للربط بين الماضي والحاضر، وغلبة الطابع الرومانسي الحزين علي الشكل العام للوحة، فيها تاكيد علي الروح العراقية والبغدادية بالذات، زوارق تنساب في نهر دجلة أثناء الغروب، قباب ومساجد وكنائس تصطف علي جبهة النهر لحظة الغروب، أن اعمالها الأخيرة تزداد تعلقاً بالحاضر واستعادة الماضي، موقف الاندماج الحضوري للتعبير عن لحظة تأمل بما يمكن ان نسميه الضياع والغربة، ولكن تبقي هذه الروح الهائمة والغارقة في عراقيتها ، وحبها لمدينتها بغداد، فما زالت لوحتها تحمل البنائية التخطيطية بقوتها ، ودسامة في اللون وكثافته، مع أستمرار أدخال النمنمة والزخرفة، التي خفت بعض الشئ في اعمالها الأخيرة، لا نعرف هل لتاكيد الفكرة التي انبثقت لديها ما بعد الاحتلال، بغلبة التغريب والرومانسية والحلم الضائع ؟، أم كون الزمن قد حد من قدراتها بعد ان خذلتها يدها.
الغ الغربة لململلوحات العالم إن رسوماتهتتوتتاتنهعناتاتويل الخيال، ترجعنا الفسيح؛ حيوية الخيال ببناء أساطيره ومدنه النائية.. لكن هذا المناخ المرتبط بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر.. في إعادة بناء ذاكرة متداخلة في الزمن. وكأن الأورفلي تمسك بكثافة اللحظة الأبدية، فلا تغرق في المكان ولا في الزمن.. لأنها، في الأخير، تصنع أسطورتها بتشييد إمبراطوريتها المشحونة بالموسيقي وبعاطفة صوفية - روحية وكأنها تضع (الواقع) في مكانه المبتكر في الفن.. مثلما تمنح الفن بعداً لا ينفصل عن صلتنا بالجوهر الخفي للمرئيات في الواقع. إنها رسامة تخترع خطابها بحرية ودقة إلي جانب رقة وحساسية مرهفتين. فثمة عشق فريد للأشياء التي تعيد بنائها، عشق يبلغ حد الفناء مبتعدة عن عناصر عالمنا الصاخب، المضطرب، والمحكوم بالاغتراب.. حيث الفن يغدو تعويضاً، ورحلة نجاة.
إن رسوماتها لبساتين بغداد، وتلك الجزر السحرية الغارقة في تهاويل الخيال، ترجعنا إلي العالم الفسيح؛ إلي حيوية الخيال ببناء أساطيره ومدنه النائية.. لكن هذا المناخ المرتبط بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر.. في إعادة بناء ذاكرة متداخلة في الزمن. وكأن الأورفلي تمسك بكثافة اللحظة الأبدية، فلا تغرق إن رسوماتها لبساتين بغداد، وتلك الجزر السحرية الغارقة في تهاويل الخياوفي معرض لها أقامته في بغداد ـ عمان عام 2005، بعنوان (مدن الحلم) لنا هذه الوقفة:
ثلاثة مداخل تشترك في بناء نصوص وداد الأورفلي: ما قبل الحلم، وبغداد، وكل الذي يبقي يحمل مرور الأطياف. فمنذ نصف قرن، وهي تنسج وتنغّم وتنقش أحلامها فوق قماشة اللوحة، وجدت انها أسيرة باثات بذور غاباتها الطبيعية، في المدينة التي ولدت فيها، إلي جانب تعلقها بحبيبات الزمن المخبأة في هذه الغابات. فالرسامة لم تتخل عن الامتداد في المكان، بصفته مجموعة الغاز، لتعيد صياغة سلاسل أحلام لا تكف تمتد بخيالها البكر، والحكيم.
ففي نصوص الحكمة، تعيد الفنانة للحياة ما وهبته لها: الجذور وفصول الإنبات، إلي جانب أغصان وبراعم وورود وكائنات تحتفل بهبات ما قبل / ما بعد / الزمن. لقد نشأت الرسامة. مع جيل الريادة في خمسينيات بغداد القرن الماضي، وهي تزاوج بين ماضيها وحاضر يتدفق وعوداً، فأبت إلا أن تزداد تعلقاً به. لا لتتأمله، بل للسكن في أكثر مناطقه عمقاً، ومجهولاً : انه الذي نرادجطكجحخه وقد أخذنا معه، إلي أين...؟ ليس هو المجهول.. بل.. هو كل الذي ستعيد الاحتفاء به: المدن الحالمة في ذاكرتها، ومخيالها الذي علمها كيف تبني هذه المدن. بغداد.. ومدن أخري.. تغدو مظهراً للعمق، ومساحة للامتداد، ومكاناً للتجدد. وفي هذا كله، مكثت الفنانة أكثر وفاءً لهذه الهبات.. فراحت تصوّر موسيقي الفصول، والمرارات العصية لجماليات النذور، تتمتم بها شعرا سبق للكاهنة الأكدية (انخيدونا) ابنة سرجون الاكدي، أن كان لها شرف السبق، كي تستعاد، في رسوماتها، حاضراً معبديا ً للوفاء، وجرحاً راحت الفنانة تشفيه بنصوص الحلم، وبكل الاستحالات التي غدت تدعونا لها إصغاءً يكمن في وعيها المرهف للبصريات، ومعادلاً فنياً توازنت فيه المكونات بسر الصياغة. إن وداد الأورفلي، تكتشف حداثتها، ليس بعيداً عن عمل أقدم الحواس، تلك : وقد وجدت الحلم ذاته قد صار مدينة، وسكناً، ولكن، لا تسكنه الأطياف، بل تحمله، في خلاياها الخفية، نحونا، كي يبقي يتدفق بالمستحيلات.
ل، ترجعنا إلي العالم الفسيح؛ إلي حيوية الخيال ببناء أساطيره ومدنه النائية.. لكن هذا المناخ المرتبط بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر.. في إعادة بناء ذاكرة متداخلة في الزمن. وكأن الأورفلي تمسك بكثافة اللحظة الأبدية، فلا تغرق في المكان ولا في الزمن.. لأنها، في الأخير، تصنع أسطورتها بتشييد إمبراطوريتها المشحونة بالموسيقي وبعاطفة صوفية - روحية وكأنها تضع (الواقع) في مكانه المبتكر في الفن.. مثلما تمنح الفن بعداً لا ينفصل عن صلتنا بالجوهر الخفي للمرئيات في الواقع. إنها رسامة تخترع خطابها بحرية ودقة إلي جانب رقة وحساسية مرهفتين. فثمة عشق فريد للأشياء التي تعيد بنائها، عشق يبلغ حد الفناء مبتعدة عن عناصر عالمنا الصاخب، المضطرب، والمحكوم بالاغتراب.. حيث الفن يغدو تعويضاً، ورحلة نجاة. في المكان ولا في الزمن.. لأنها، في الأخير، تصنع أسطورتها بتشييد إمبراطوريتها المشحونة بالموسيقي وبعاطفة صوفية - روحية وكأنها تضع (الواقع) في مكانه المبتكر في الفن.. مثلما تمنح الفن بعداً لا ينفصل عن صلتنا بالجوهر الخفي للمرئيات في الواقع. إنها رسامة تخترع خطابها بحرية ودقة إلي جانب رقة وحساسية مرهفتين. فثمة عشق فريد للأشياء التي تعيد بنائها، عشق يبلغ حد الفناء مبتعدة عن عناصر عالمنا الصاخب، المضطرب، والمحكوم بالاغتراب.. حيث الفن يغدو تعويضاً، ورحلة نجاة.

رسوماتها لبساتين بغداد
إن رسوماتها لبساتين بغداد، وتلك الجزر السحرية الغارقة في تهاويل الخيال، ترجعنا إلي العالم الفسيح؛ إلي حيوية الخيال ببناء أساطيره ومدنه النائية.. لكن هذا المناخ المرتبط بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر.. في إعادة بناء ذاكرة متداخلة في الزمن. وكأن الأورفلي تمسك بكثافة اللحظة الأبدية، فلا تغرق في المكان ولا في الزمن.. لأنها، في الأخير، تصنع أسطورتها بتشييد إمبراطوريتها المشحونة بالموسيقي وبعاطفة صوفية - روحية وكأنها تضع (الواقع) في مكانه المبتكر في الفن.. مثلما تمنح الفن بعداً لا ينفصل عن صلتنا بالجوهر الخفي للمرئيات في الواقع. إنها رسامة تخترع خطابها بحرية ودقة إلي جانب رقة وحساسية مرهفتين. فثمة عشق فريد للأشياء التي تعيد بنائها، عشق يبلغ حد الفناء مبتعدة عن عناصر عالمنا الصاخب، المضطرب، والمحكوم بالاغتراب.. حيث الفن يغدو تعويضاً، ورحلة نجاة.
ا لبساتين بغداد، وتلك الجزر السحرية الغارقة في تهاويل الخيال، ترجعنا إلي العالم الفسيح؛ إلي حيوية الخيال ببناء أساطيره ومدنه النائية.. لكن هذا المناخ المرتبط بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر.. في إعادة بناء ذاكرة متداخلة في الزمن. وكأن الأورفلي تمسك بكثافة اللحظة الأبدية، فلا تغرق في المكان ولا في الزمن.. لأنها، في الأخير، تصنع أسطورتها بتشييد إمبراطوريتها المشحونة بالموسيقي وبعاطفة صوفية - روحية وكأنها تضع (الواقع) في مكانه المبتكر في الفن.. مثلما تمنح الفن بعداً لا ينفصل عن صلتنا بالجوهر الخفي للمرئيات في الواقع. إنها رسامة تخترع خطابها بحرية ودقة إلي جانب رقة وحساسية مرهفتين. فثمة عشق فريد للأشياء التي تعيد بنائها، عشق يبلغ حد الفناء مبتعدة عن عناصر عالمنا الصاخب، المضطرب، والمحكوم بالاغتراب.. حيث الفن يغدو تعويضاً، ورحلة نجاة.
وفي معرض لها أقامته في بغداد ـ عمان عام 2005، بعنوان (مدن الحلم) لنا هذه الوقفة:
ثلاثة مداخل تشترك في بناء نصوص وداد الأورفلي: ما قبل الحلم، وبغداد، وكل الذي يبقي يحمل مرور الأطياف. فمنذ نصف قرن، وهي تنسج وتنغّم وتنقش أحلامها فوق قماشة اللوحة، وجدت انها أسيرة باثات بذور غاباتها الطبيعية، في المدينة التي ولدت فيها، إلي جانب تعلقها بحبيبات الزمن المخبأة في هذه الغابات. فالرسامة لم تتخل عن الامتداد في المكان، بصفته مجموعة الغاز، لتعيد صياغة سلاسل أحلام لا تكف تمتد بخيالها البكر، والحكيم.
ففي نصوص الحكمة، تعيد الفنانة للحياة ما وهبته لها: الجذور وفصول الإنبات، إلي جانب أغصان وبراعم وورود وكائنات تحتفل بهبات ما قبل / ما بعد / الزمن. لقد نشأت الرسامة. مع جيل الريادة في خمسينيات بغداد القرن الماضي، وهي تزاوج بين ماضيها وحاضر يتدفق وعوداً، فأبت إلا أن تزداد تعلقاً به. لا لتتأمله، بل للسكن في أكثر مناطقه عمقاً، ومجهولاً : انه الذي نراه وقد أخذنا معه، إلي أين...؟ ليس هو المجهول.. بل.. هو كل الذي ستعيد الاحتفاء به: المدن الحالمة في ذاكرتها، ومخيالها الذي علمها كيف تبني هذه المدن. بغداد.. ومدن أخري.. تغدو مظهراً للعمق، ومساحة للامتداد، ومكاناً للتجدد. وفي هذا كله، مكثت الفنانة أكثر وفاءً لهذه الهبات.. فراحت تصوّر موسيقي الفصول، والمرارات العصية لجماليات النذور، تتمتم بها شعرا سبق للكاهنة الأكدية (انخيدونا) ابنة سرجون الاكدي، أن كان لها شرف السبق، كي تستعاد، في رسوماتها، حاضراً معبديا ً للوفاء، وجرحاً راحت الفنانة تشفيه بنصوص الحلم، وبكل الاستحالات التي غدت تدعونا لها إصغاءً يكمن في وعيها المرهف للبصريات، ومعادلاً فنياً توازنت فيه المكونات بسر الصياغة. إن وداد الأورفلي، تكتشف حداثتها، ليس بعيداً عن عمل أقدم الحواس، تلك : وقد وجدت الحلم ذاته قد صار مدينة، وسكناً، ولكن، لا تسكنه الأطياف، بل تحمله، في خلاياها الخفية، نحونا، كي يبقي يتدفق بالمستحيلات.
تلك الجزر السحرية الغارقة في تهاويل الخيال، ترجعنا إلي العالم الفسيح؛ إلي حيوية الخيال ببناء أساطيره ومدنه النائية.. لكن هذا المناخ المرتبط بتراث بغداد يضعنا في الزمن الحاضر.. في إعادة بناء ذاكرة متداخلة في الزمن. وكأن الأورفلي تمسك بكثافة اللحظة الأبدية، فلا تغرق في المكان ولا في الزمن.. لأنها، في الأخير، تصنع أسطورتها بتشييد إمبراطوريتها المشحونة بالموسيقي وبعاطفة صوفية - روحية وكأنها تضع (الواقع) في مكانه المبتكر في الفن.. مثلما تمنح الفن بعداً لا ينفصل عن صلتنا بالجوهر الخفي للمرئيات في الواقع. إنها رسامة تخترع خطابها بحرية ودقة إلي جانب رقة وحساسية مرهفتين. فثمة عشق فريد للأشياء التي تعيد بنائها، عشق يبلغ حد الفناء مبتعدة عن عناصر عالمنا الصاخب، المضطرب، والمحكوم بالاغتراب.. حيث الفن يغدو تعويضاً، ورحلة نجاة.
وفي معرض لها أقامته في بغداد ـ عمان عام 2005، بعنوان (مدن الحلم) لنا هذه الوقفة:
ثلاثة مداخل تشترك في بناء نصوص وداد الأورفلي: ما قبل الحلم، وبغداد، وكل الذي يبقي يحمل مرور الأطياف. فمنذ نصف قرن، وهي تنسج وتنغّم وتنقش أحلامها فوق قماشة اللوحة، وجدت انها أسيرة باثات بذور غاباتها الطبيعية، في المدينة التي ولدت فيها، إلي جانب تعلقها بحبيبات الزمن المخبأة في هذه الغابات. فالرسامة لم تتخل عن الامتداد في المكان، بصفته مجموعة الغاز، لتعيد صياغة سلاسل أحلام لا تكف تمتد بخيالها البكر، والحكيم.
ففي نصوص الحكمة، تعيد الفنانة للحياة ما وهبته لها: الجذور وفصول الإنبات، إلي جانب أغصان وبراعم وورود وكائنات تحتفل بهبات ما قبل / ما بعد / الزمن. لقد نشأت الرسامة. مع جيل الريادة في خمسينيات بغداد القرن الماضي، وهي تزاوج بين ماضيها وحاضر يتدفق وعوداً، فأبت إلا أن تزداد تعلقاً به. لا لتتأمله، بل للسكن في أكثر مناطقه عمقاً، ومجهولاً : انه الذي نراه وقد أخذنا معه، إلي أين...؟ ليس هو المجهول.. بل.. هو كل الذي ستعيد الاحتفاء به: المدن الحالمة في ذاكرتها، ومخيالها الذي علمها كيف تبني هذه المدن. بغداد.. ومدن أخري.. تغدو مظهراً للعمق، ومساحة للامتداد، ومكاناً للتجدد. وفي هذا كله، مكثت الفنانة أكثر وفاءً لهذه الهبات.. فراحت تصوّر موسيقي الفصول، والمرارات العصية لجماليات النذور، تتمتم بها شعرا سبق للكاهنة الأكدية (انخيدونا) ابنة سرجون الاكدي، أن كان لها شرف السبق، كي تستعاد، في رسوماتها، حاضراً معبديا ً للوفاء، وجرحاً راحت الفنانة تشفيه بنصوص الحلم، وبكل الاستحالات التي غدت تدعونا لها إصغاءً يكمن في وعيها المرهف للبصريات، ومعادلاً فنياً توازنت فيه المكونات بسر الصياغة. إن وداد الأورفلي، تكتشف حداثتها، ليس بعيداً عن عمل أقدم الحواس، تلك : وقد وجدت الحلم ذاته قد صار مدينة، وسكناً، ولكن، لا تسكنه الأطياف، بل تحمله، في خلاياها الخفية، نحونا، كي يبقي يتدفق بالمستحيلات./7/2011 Issue 3950 - Date 16-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق