|
عوالم مكتشفة تحت الماء في رواية نوح وكلاب الزمهرير لجاسم الهاشمي
القصب يكتب سيرة الأهوار الموغلة بالعزلة
مؤيد داود البصام
ينقلنا جاسم الهاشمي في مجمل رواية (نوح وكلاب الزمهرير)، الصادرة عن دار انانا للطباعة والنشر في دمشق/سوريا برؤي جمالية، عندما يلجأ إلي إعادة صياغة الحياة والواقع، بلغة تنحو نحو صياغة الأشياء حسب مفاهيمه وتجربته وجمالية الالتقاط، وحسب رؤيا يصورها مخزون الذاكرة بين الواقع والمخيال، و حلميه تري الواقع للاهوار والقري والأماكن المحيطة والقريبة جدا او الأكثر بعدا، بعين البراءة والطفولة، فهو يروي عبر جمالية ما تراه العين، التي امتزجت فيها الدهشة الطفولية مع الذكريات البريئة الحالمة، بعالمها الجميل الذي لا يتناسب مع عالمنا الضاج بمدنية زائفة، تستهلك الإنسان دون إن تتيح له رؤية هذا الكون وجماله، حملنا الهاشمي فأحال الشوارع الطينية، وبيوت القصب والبردي إلي مخيال و فنتازيات،
يسرح فيها التخيل حتي التداعي، وكأنها تشكل له حلما تحقق وضاع، او لم يتحقق وهو يلاحقه من اجل التحقق، عالم تتغير فيه الحياة بألوانها وإشكالها، وكأنما هو عالم آخر غير الذي نعرفه او نسمع عنه، تكوينات فنية يرسمها للإنسان والطبيعة والحيوان، حيوات عجيبة تتغير في نظرنا بناء علي الصور التي يبثها بهذا الحب والشوق والحنين، شدنا طيلة إحداث الرواية للمقارنة بين الزمهرير الذي يعيشه إنسان الاهوار، والزمهرير الذي يتخيله يوم القيامة، الزمهرير الذي يعاقب به رب العباد الخاصة الذين يجب إن يكونوا في صف المظلومين وليس في صف الظالمين.
السرد يتابع الحدث ولا يقيمه
يحكي لنا الهاشمي عن قرية في إطراف الهور من مدينة العمارة جنوب العراق (.......) وقد سبق له إن اصدر روايتان الأولي (أم أيشين) والثانية (ضياع بنت البراق) و الروايتان تتحدثان عن الهور والقري التي علي إطرافه، كما هي رواية (نوح وكلاب الزمهرير)، في هذه الرواية الأخيرة تتجلي الصور في ذهنيته ويكتب باحترافية عالية، وبلغة جزلة تتخطي في بعض مقاطعها الحدث، عن الطفولة ورؤيتها للعالم الذي تعيشه، وتصوراتها للبوح من أعماق تلتصق بالأرض وتعيش لحظتها بكل حب، يختلط فيها البراءة وقسوة الواقع الذي تعيشه، لتتمرد عليه حينما يصبح بإمكانها التمرد، ولكن تمرد مصحوب بالهرب من واقعها، لا لتغيير الواقع الذي ترفضه، ولكن للبحث عن واقع جديد، قصة الرجل الأعمي السيد نوح وابنه يوسف و أصدقاءه وبالذات جبار، وعلي الرغم من إن الحكاية تتحدث عن السيد نوح الذي أصابه العمي جراء خصومة هو ليس طرفا مباشرا فيها ( عندما امسكوا ببعضهم في النهر وتبادلوا الضرب بالعصي والعقل والخراطيش التي فقأت عيون نوح)،ًًًً الرواية،ص105، إلا انه ارتضي عماه تماشيا مع الأعراف في الريف، ولهذا فهو عندما يطلب وبإلحاح من (شاري) إن يحشو علبته بالتبغ، إنما يطلب حقه و يستجيب شاري، علي الرغم من تذمره الجواني، حتي تأتي اللحظة التي يقرر فيها نوح إن يتزوج، ويتزوج من الفتاة التي عاصرت زوجته السابقة أم يوسف قبل موتها، وكانت جارتهم وهي طفلة تلاعب ابنه عيسي، ولكن حفيف وهو اسمها تسهو وتترك عيسي يزحف علي هواه، فيقع في حفرة تكون نهايته، وبموت زوجته يقرر نوح الرحيل من أعماق الهور إلي إطرافه،وحين يقرر الزواج يتوجه هو وابنه يوسف لخطبت حفيف، في نفس الوقت الذي يريد إن يخطبها شيخ العشيرة، المزواج والداعر، لتكون ضمن زوجاته السادسة والعشرين، وهنا يحدث الصدام الذي ينبني عليه الحدث السردي، المتوازي مع حدث تمرد مدير المدرسة علي شيخ القرية، والذي تسبب بنقله، وعلي الرغم من إن صدام المدير كان لأجل أبناء المدرسة وبالذات الطالب المشاكس جبار، وحرمة المدرسة، إلا إن موقف الأهالي يبقي سلبيا، فهم لا يفعلون سوي الحزن وتوديع المدير، بعد ما ينجح تأثير الشيخ علي نقل مدير المدرسة، وسيتكرر هذا الموقف، عندما يتحدي نوح شيخ العشيرة ويوافقه سلمان والد حفيف، وعندما يظلم شيخ العشيرة سلمان، ويسجنه في الماء بأعماق الهور، يعود نفس الموقف السلبي، الذي يصفه الهاشمي (لابد إن السماء تهيئ للقرية حدثا جديدا) الرواية،ص105. إن روح الاستسلامية والخضوع للإقطاع والسراكيل ووكلائهم، هي البنية الرئيسية التي يريد إن يقولها لنا السرد، فحتي تمرد الأطفال محكومة بالطبقية وضمن اعتبارات الغني والفقير، ورضوخ السلطة لإحكام إقطاعيها، ومجموع الآخرين أرقام لعجلة الإنتاج الرأسمالية التي يتحكم بها الأغنياء وإتباعهم، وما حدث للمدير او في موقف نوح، سيؤرخ كحدث غير عادي في حياة المنطقة، فالحياة الرتيبة هي السمة الغالبة، والرواية تؤرخ لفترة من تاريخ منطقة مهمة في جنوب العراق بعلاقاتها الاجتماعية والاقتصادية، وتصوير الزمن دائرة مستمرة الدوران من لحظة غياب جبار عند موت والده وعودته، ومن ثمة اختفاء يوسف وترك النهاية مفتوحة، استمرار التكرار والرتابة في الحياة لعدم وجود ما يغير الواقع، او يحدث ما يغير الواقع، فعندما يتزوج نوح حفيف بنت سلمان بالرغم عن الشيخ،وبعد إن يفك نوح سلمان من السجن في مياه الهور، العقوبة التي أمر بها الشيخ علي سلمان، لرفضه تزويج حفيف له، وأستطاع السيد نوح بقوة العرف الديني لمكانته كحد فاصل أن يجعل الشيخ يرضخ لطلبه، لمعرفته مكانة الدين في التحكم بعقول وحياة هؤلاء الناس فيرضخ لنوح ويحرر سلمان من سجنه، ويأخذ نوح سلمان وعائلته إلي حيث يسكن ليقيم معه في قريته التي سكنها بعد إن هجر الاهوار، و تنجب له حفيف بديل الذي غاب عيسي آخر، وهو ما يعني التكرار والاستمرار بالدوران، في داخل الدائرة إلي ما لانهاية، لحياة تتملكها الرتابة، والإحداث فيها موسمية أو لدهور، لا جديد تحت الشمس، ما دام الإنسان والأرض يعيشان تحت رحمة زمهرير الطبيعة، وزمهرير السلطان، وهو الموقف الفاصل لتمرد جبار ومن ثمة يوسف.
حولات الشخوص
ماذا أراد الهاشمي إن يقدم لنا في روايته؟ إذا أخذنا الشخصيات الرئيسية، او التي واكبت العملية السردية وكانت فاعلة في أحداثه، تتحدد في أربعة أشخاص، نوح وابنه يوسف، وجبار وأبيه زريزير، بينما لم تنمو بقية الشخصيات، وظلت ضمن إطار تحريك الحدث، وليس فعل الحدث، شاري و زوجة شاري، وسلمان وابنته حفيف وأم حفيف، ومدير المدرسة (علي الرغم من أهمية ما قام به، الذي شكل مع موقف نوح ضد الشيخ، البنية الرئيسية التي استندت عليها الرواية، لتخرج من الوصف المكاني او السيرة الذاتية، إلي رواية الحدث)، والشيخان وبقية أطفال القرية، كل هذه الشخصيات مع الذين ذكرهم من أشخاص قرية نوح، او الأشخاص في قرية سلمان وعبيد الشيخ، ظلت علي هامش الحدث ولم يوليها القدر الذي تتسع له العملية السردية، خصوصا وهو يتكلم عن عالم، يجهله الكثيرون، بما يحمله من بنية اجتماعية واقتصادية، جعلت منه عالم خاص بذاته في الكثير من المفاهيم والعادات، والثقافة بشكل إجمالي، فهو لم يوضح هذه الإمكانية والقوة التي تجعل من الرجل الضعيف الأعمي، الذي ينوح لأجل إشباع رغبته في التدخين، إن يقف هذا الموقف الشجاع والقوي، الذي ينم عن سلطة مهابة، ترك الأمر للمتلقي لكي يعرف إبعاد المؤثر الاجتماعي والديني علي مجتمع الاهوار والمناطق البعيدة عن المدن، لهذا كانت أشبه بالمفاجئة هذه القوة إلي ظهرت لنوح من بعد الضعف الذي سرده علينا، كما انه تطور في سرد شخصية جبار، ولكنه تركها في النصف الثاني من الرواية، ولا تظهر إلا في النهاية دون دور مؤثر، وهي الشخصية الفاعلة صخبا وضجيجا في النصف الأول من الرواية، كإحدي الشخصيات المهمة والمتنامية في تحريك الحدث، لكنها تنطفي مع أول حدث تواجهه وهو موت والده زريزير، وكأنما أراد إن يوضح لنا حالة الصراع الإنساني الذي تتحدد به تلك البقاع المهملة من السلطة الحاكمة، مع ما تملكه من غني فكري واجتماعي واقتصادي، وهو ما يجعلها لا تنظر لذات الشخص ككينونة لها وجودها المعنوي والمادي، وهي غير مؤثرة في حالة وجودها او غيابها في الحياة الرتيبة التي تسير عليها البلدان الواقعة في هذا المحور، وبالتالي فان من يذهب لا يفرط جزء من الحلقة التي تدور حول نفسها، ويبقي الزمن كفيلا بنقل حالة من غابوا، بالتذكر او النسيان.
حاول الراوي أن يضعنا في موقع الحدث ليشركنا فيما يحدث، دون إن يوجهنا مباشرة، لهذا كان لجمالية اللغة سحره الذي نصب لنا الفخ به، فقد ابرز أوجه الصراع دون إن يحدده أو يسميه، المحنة الأولي حالة التخلف والجهل التي تسود المجتمع وسيادة الإقطاع ورجالاته، والإمراض التي تفتك بالمجتمع من دون وجود من يحرص علي عدم استفحالها وما تسببه من آلام (فتق زريزير، وعمي نوح)، الفقر والحالة الاقتصادية المرتبطة بملاك الأرض وما يفرضونه من سلطة علي البشر المتواجدين في هذه البقعة، والتحكم بمصائرهم، وتتعدي السلطة المحلية، لفرض سلطتهم حتي علي الدولة مثالها (نقل مدير المدرسة عند صدامه مع شيخ العشيرة، وثانيهما ما يختاره شيخ العشيرة من نساء كيفما يشاء من دون اعتراض، ومن يخالف ينال العقاب، كما حدث مع سلمان وابنته حفيف)، والصراع الثالث الذي يرتبط بالصراع الأول، وصفه للبرد وحالة الناس إمام عصف الطبيعة، التي لا يملكون حيالها إلا الاستسلام، لعدم إمكانيتهم الاقتصادية، وربطها بعقاب الله للنخبة التي تخالف ما انزله الخالق علي عباده، في معرفة كيف تدار شؤون العباد، وأهمية المعتقدات الغيبية في حياة هؤلاء الناس، في هذه الصراعات لخص لنا الهاشمي أوجه المعاناة، والمعتقدات الغيبية التي هي جزء مهم من الموروث الفكري والاعتقادات في حياتهم، وقوة هذا الموروث في فرض قوته وسلطته، فوق كل السلطات، وكيفية تحكم قيم بمصير البني الاجتماعية، والقيمة التي تتحكم بالكل من خلال الجزء، قد يراها مجتمع آخر مخالفة لعرفه وتقاليده، فيرفضها ويعتبرها شئ خارج الأعراف والتقاليد، وهو ما ينطبق علي مجتمع الاهوار الذي تحدث لنا عنه الهاشمي، في رفضه وعدم تقبله لما يخالف ما اعتاد وتربي عليه، إن الرواية تناقش البناء الحضاري للإنسان المفقود بهذه البقعة، كما تشاركه بقاع أخر، وهي مشكلة الإنسان في عالم يضج بالتحولات والتطورات، بينما تعيش مجتمعات وشعوب في عتمة التخلف والجهل، واستمرار للجمود وعدم التطور، يؤشر له (لم يكن قد طرأ شئ جديد علي القرية بعد اختفاء زرزور وولده)، الرواية،ص100 كما إن الحياة في ظل ملاك الأراضي لا تملك إمكانية مقومات التحول والتغيير، (فالموقع هو الموقع نفسه، والفلاحون هم أنفسهم، يموت أجداده فيتركون الأرض والفلاحين لآبائه، ويموت آبائه فيتركونهم لأبنائه من بعده)، الرواية ص163.
الخلاصة
إن رواية نوح وكلاب الزمهرير، ليست مجرد سيرة ذاتية، إذا نظرنا لها كبناء سردي، أو رواية لشخصية السيد نوح، فان المقاطع السردية يتزامن فيها السرد للمتن الحكائي مع البناء الحكائي، من خلال المكان والزمان الذي حدثت فيه، بحيث لا تتعدي الزمن المحدد الذي حدثت فيه، لتصبح شخصية الصبي جبار، الجندي جبار، والطفل يوسف، الشاب يوسف الذي يمتلك حرية خروجه من عالم القرية، فالكاتب حدد الهيكل الذي أقام عليه العلاقات العامة والخاصة، من خلال نوح الذي يمثل العلامة النصية للسرد، بتوافق المتن مع العنوان، في إظهار أهمية نوح الذي يمثل النخبة التي ستعاقب، إذا ما خالفت ما اسند إليها من حقوق البشر، وهي ليست مجرد ترجمة أدبية، للظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية المحددة التي عالجها الكاتب، في منطقة معزولة، فالرمز فيها واضح، وشكلت بساطة الاسترجاع روح المكان، إن روح المكان تضج بين جنبات الرواية، وأهله يسورهم المكان ويحدد وجودهم، من يخرج من هذه الدائرة، يصبح في عداد اللا وجود، المكان هو الوجود الذي يشكل حواتهم في اليقظة والمنام، الاهوار وقراها، وعناصر تكوينها الماء والأشجار، ولم يتجاوز البعد المكاني الذي حدده بين الهور والقري التابعة له، أبقي السرد يدور ضمن بقعة محددة، قاصدا ً أيضاح كل المبررات التي تحدث من كون هذا العالم مستقل بذاته، وللماء والجو في تقلباته أهمية جوهرية في عناصر الرواية، كلها علاقات تصهر الإحداث والشخصيات بعضها بالبعض الآخر، لتعطي هذا الخليط المتجانس ليشكل لنا هذه الكتلة بما هي عليه، وهو ما جعل الرواية ثرية بصورها، وبلغة مبهجة يتغني الهاشمي في وصف المكان، ويعيد تركيب اللغة حتي يصل في بعض المقاطع، اهتمامه بها أكثر من اهتمامه بالإحداث والحبكة والشخصية، وتغدو الصياغة اللغوية مؤثرة أكثر من الحدث، الذي ظل يردد بهجتها، خصوصا عندما يستخدم الأوصاف والنعوت ليمجد بها هذا المخيل الرائع عن المكان والماء في نفسه، فالمكان لا يتغير إلا في حدود الانتقال الجزئي بين القرية وأعماق الهور، الهور الذي يشكل العمق للقري المحاذية له، وكذلك بالنسبة للأشخاص لا يحصل لديهم التحول إلا بفاجعة الموت أو ترك القرية إلي المجهول، فالهاشمي يبدأ روايته بالعرض المؤجل، وتتطور الإحداث بتنامي، ولا يتحدث عن الشخصيات إلا من خلال تطور الإحداث، الصبي جبار وكربته المبتكرة، والأولاد يقلدونه وهكذا تستمر الإحداث، فالمتن الحكائي يظهر الإحداث كمجموعة حوافز متتابعة، انه يضع مجموعة من الحوافز لها مؤثر في تغيير المتن الحكائي، وحوافز لا تشكل بالضرورة تغييرا في البنية السردية، (موت زرزور وزواج نوح) ولكنها حوافز أساسية تخل في البناء إذا ما تغير مسارها، وصولا إلي إدراك الغربة وفقدان الحنان، بحسب السبب والنتيجة، ومن اجل إن لا يجعل الخطاب خطي، عالجه باستخدام الاسترجاعات الزمنية، إن كانت استرجاعات داخلية أو خارجية، وكل هذه الاستخدامات للعناصر السردية، في سردها لظروف القرية وأشخاصها، أفكار مطروقة علي قلة الذين كتبوا عن المكان والإنسان في هذه المنطقة، ولكن ما هو المهم في هذه الرواية، التي ينقلها من سيرة ذاتية إلي عمل روائي، هو اللحظة التي يكتشف فيها جبار، وجوده وكينونته، انه يعيش في فراغ، ولحظات الصول والجول في القرية، لا تشكل له إي ارتباط عندما فقد الحنان، بموت زرزور، (انسحب جبار مرة واحدة من كل القرية خارجا من اردانها بعد أن كان يختنق بها)، الرواية. ص101، وهو ما سوف يتكرر مع يوسف، عندما يتزوج نوح من حفيف، (لقد تغير علي يوسف كثيرا، منذ مجئ بيت سلمان ومولد عيسي)، الرواية ص167، هذه هي النقطة الرئيسية التي تحدد مرتكزات بنية العمل الروائية، نقطة التحول التي تترك خلفها عالم كانت منغمسة فيه، إلي عالم مكتشف جديد، رؤية تجعل جبار ويوسف في لحظة تحول غير مدركة، وبالفطرة التي تعاملوا بها مع حياتهم، تعاملوا مح الحدث الجديد الذي أنوجد ليغير المسار، ولكن الكاتب بدلا من تنمية شخصية جبار، وإعطائها إبعادها الوجودية، في سر اكتشاف الذات، ووصولها إلي نقطة البؤرة في إهمال الفعل المرئي الذي قدمه في النصف الأول من الرواية، وإبراز الجانب اللامرئي، ما بعد قراره التخلي عن القرية وأهلها لشعوره بالغربة، وفقدانه الحنان الذي كان يوفره له زرزور (والده)، هذه اللحظة المهمة في سير العملية السردية، أهملها وتابع السرد التسجيلي لحياة القرية، وهو ما سيعود لاتخاذ نفس الموقف مع يوسف، وهنا السؤال، لماذا توقف الهاشمي عن متابعة البؤرة واستمر في التسجيل ألوقائعي، هل أراد إن يقول لنا، إن الحياة في هذه البقعة هي كما ترونها وهي تفسر نفسها بنفسها، وان المشكلة التي تخلقها كل العناصر والعلاقات التي تقدم ذكرها، تنتج لنا تجذر اللا انتماء والانتماء الشكلي، فلماذا لم يلاحق سرده؟ هذا هو سؤال (الأنا)، الذي فجره جبار ومن بعده يوسف، إن كان ما يشدهما الحب والحنان، وبفقدانهما ماذا يتبقي؟ ليس لديهما للتمسك به إلا الكربات خلف الشبة، فحتي عندما أعاد جبار، أعاده ليعيد أنتمائه، في هذه الرواية يثبت جاسم الهاشمي انه احد الروائيين الذين لهم حضورهم في عالم الرواية العربية والعراقية، وما زال في القادم قضية . |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق