|
الركح بوصفه شاهد علي الصحوة: توظيف التراث في المسرح العربي
مسرحة حكايات الناس تؤرخ لأحلامهم
مؤيد داود البصام:
يناقش المؤلف يحيي البشتاوي في كتابه (توظيف التراث في المسرح العربي) الصادر
عن دائرة الثقافة والإعلام. حكومة الشارقة - هذا العام، دور المسرح بوصفه شكلا من أشكال التعبير وأداة من أدوات التواصل بين أبناء الجنس البشري، ولأهمية الخطاب الذي يطرحه المسرح فقد ارتبطت مفاهيم الكثير من المسرحيين العرب بالتراث أثناء فترة ستينيات القرن الماضي، ما تسمي بالصحوة العربية، وهو ما جعل بروز ثنائية الأصالة والمعاصرة اللتان تحققان وحدة عضوية تعبر عن الرؤية المعاصرة للتراث، وجعل الكثير من المسرحيين العرب البحث عن مخرج لكسر هيمنة الشكل المسرحي الأوروبي والخروج بشكل مسرحي عربي يرتكز علي الموروث، من شأنه أن يكشف عن روح الأصالة في الأمة العربية، وهو ما يتطلب الانفتاح علي الآخر بوعي ونضج، ضمن هذه المفاهيم التي وضعها البشتاوي قدم كتابه (توظيف التراث في المسرح العربي )، الذي جاء ب295 صفحة من القطع المتوسط، من إصدار دائرة الثقافة والإعلام في حكومة الشارقة. دولة الإمارات العربية المتحدة. وتالف من ثلاثة فصول وقائمة المصادر والمراجع، ناقش في الفصل الأول: الذي وضعه في قسمين مع مقدمة بتحديد المصطلحات، أولاً . التراث بين الأصالة والمعاصرة، وثانياً . توظيف التراث في المسرح العربي، وأستخلص في نهاية الفصل إلي أن، " نقد الحاضر في ضوء معطيات الماضي، من خلال أشكال الفرجة المسرحية والظواهر الدرامية....وترسيخ قيم فكرية وفنية وجمالية تتجاوز التقليد والاستنساخ المبرمج للمنتج المسرحي الغربي.".
الفصل الثاني: بعنوان توظيف التراث في الأدب المسرحي العربي. وقسم إلي أربعة مباحث، توظيف التراث في الأدب المسرحي المصري، وتوظيف التراث في الأدب المسرحي السوري، وتوظيف التراث في الأدب المسرحي الفلسطيني، وتوظيف التراث في نصوص الشيخ سلطان بن محمد ألقاسمي المسرحي. وفي هذا الفصل يستعرض عبر المباحث الأربعة دور كل من الأدباء توفيق الحكيم ويوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمود ذياب من كتاب المسرح المصري، وأهمية المسرحيات التي قدموها لتأصيل المسرح العربي وكذلك فعل في المبحث الثاني. الذي اعتبر فيه المسرح السوري ريادي في توظيف التراث في المسرح العربي بتجارب الرواد أحمد أبو خليل القباني ومارون نقاش ، ويعد تجربه سعد الله ونوس في توظيف التراث من التجارب المهمة في المسرح العربي، من خلال تعريته للواقع السياسي المتهرئ، ويقود الإنسان للخلاص من الفساد والانحلال المتجذر، ثم ينتقل إلي تجربة الشاعر محمد الماغوط المسرحية، التي يبرز في مسرحه عالما شاسعا من الأحداث والمواقف بأسلوب كوميدي نقدي، من البيئة المضطربة المتقلبة التي عاش في أجوائها، فلم ينفصل عن الوجود الإنساني وتحولاته المأساوية. وفي المبحث الثالث. يتناول المسرح في داخل فلسطين المحتلة، بدء بالأدباء نصري الجوزي ونجيب نصار ومحمد عزة دروزه وحنا شاهين ومحي الدين ألصفدي، حيث استمدوا موضوعاتهم من التاريخ العربي وما اتصل به من قضايا اجتماعية، وهو الجانب الذي يتيحه لهم للحديث بحرية في صراعهم مع المحتل الصهيوني، و يناقش مسرحيات غسان كنفاني وكيف وظف الأسطورة في معالجة الصراع بين المحتل وأهل البلد، ويتناول كذلك نتاج إميل حبيبي المسرحي، في كشف معاناة الإنسان الفلسطيني في ظل الاحتلال ومأساته وموقفه القائم علي الصمود والإدراك والوعي. وفي المبحث الرابع. يتناول توظيف التراث في نصوص سلطان بن محمد ألقاسمي المسرحية، التي إستند فيها إلي عدد من المرجعيات الفكرية والجمالية النابعة من التاريخ بشكل خاص، فهو ينتقي من التراث أفكاراً أو مواقف أو قيماً فكرية يمكن لها التفاعل مع القضايا المعاصرة، ويدمجها في أحوال العرب الراهنة.
الفصل الثالث: توظيف التراث في العرض المسرحي. وهو الفصل التطبيقي للنصوص المسرحية وعروضها علي خشبة المسرح، التي تتشكل من عروض مسرح الحكواتي وتداخلاتها التاريخية. قسم الفصل إلي خمسة مباحث، المبحث الأول، توظيف التراث في عروض فرقة مسرح الحكواتي اللبنانية، ويركز فيها علي تجربة المخرج روجيه عساف، التي قامت علي رفض الشكل الأوروبي السائد للمسرح، بوصفه يحمل دخيلاً لا يمكن له التعبير عن حاجات الإنسان العربي، ولأنه لا يتلاءم مع الذوق الشعبي للجمهور العربي، مؤكداً أن فرقة الحكواتي قد دفعت بالظاهرة المسرحية في لبنان إلي مداها الأرحب والأوسع، وذلك عندما جعلت من المسرح أداة نضالية ثورية، من خلال تأسيس علاقات حميمية وجدية مع الناس. وفي المبحث الثاني. توظيف التراث في عروض فرقة مسرح الحكواتي الفلسطيني، إذ يأخذ سيرة الفنان فرانسوا أبو سالم الإخراجية بوصفها ظاهرة مهمة في حركة المسرح الفلسطيني، ولاشتغال وسعي فرانسوا إلي تأكيد دور المسرح في تدعيم أسس مقومة المحتل. وذلك بتأسيس فرقة البلالين ومن ثم فرقة، بلا- لين، التي انبثقت منها فرقة مسرح الحكواتي الفلسطينية، وإقامة مسرح النزهة الحكواتي، وتمثلت فلسفة فرانسوا علي أن الشخصيات في مسرح الحكواتي تعمل علي تشريح الواقع وتوضيح أبعاده بكل واقعية، مستخدمة الاحتجاج والسخرية والتهكم أداة للتعبير عن موقفها الحياتي القائم علي نقد الواقع. وفي المبحث الثالث. توظيف التراث في عروض جماعة المسرح الاحتفالي في المغرب، ويعتبر أن قيام جماعة المسرح الاحتفالي لم يكن وليد المصادفة، وإنما كان نتيجة لتوحيد في الرؤية وتجانس في الفكر بين عدد من المخرجين والممثلين والنقاد، وقد كان أبرزهم المخرج والممثل المغربي الصديق الطيب، ومنظر الجماعة الناقد والكاتب عبد الكريم برشيد، والنافد عبد الرحمن بن زيدان وغيرهم. ويوضح أن المسرح الاحتفالي يقوم علي الإفادة من المظاهر الاحتفالية في التراث العربي، حيث يصاغ النص انطلاقاً من الذاكرة الشعبية العربية التي تحوي قضايا الناس وممارساتهم الشعبية في المواسم والساحات العامة والأسواق.. وقدم رؤية لجماعة المسرح الاحتفالي من خلال بيانهم الأول الذي صدر عام 1976، (هو تعبير جماعي عن حس جماعي وقضايا جماعية، قضايا لها وجود مكاني وآني، لها إشعاعات إنسانية جماعية)، وهو بهذا يري أن ظاهرة المسرح الاحتفالي، (لا ترتبط بالجانب الفني فقط، وإنما يمكن الفائدة منها في كل مجالات الحياة بوصفها تشكل تصوراً للحياة والإنسان، وتملك موقفاً من السياسة والمجتمع والأخلاق والتراث، منطلقا في ذلك من حجم المعاناة الواقعية). ويتناول في المبحث الرابع. توظيف التراث في مسرحيات قاسم محمد، يري البشتاوي في مسيرة الفنان قاسم محمد، سيرة حافلة بالبحث والعطاء، لا سيما محاولاته المتقدمة في توظيف التراث العربي الإسلامي في المسرح، وتأصيل المسرح العربي بصيغ وإمكانيات فنية متقدمة ، وفي هذا يقول أنه يعتمد علي المنهج الانتقائي في تناوله للتاريخ، وإذ يوجه اهتمامه إلي الحياة الشعبية العامة للناس في الأسواق والشوارع والأماكن العامة، يغريه التاريخ بمفاخره وأمجاده وبطولاته، ويعدد مصادر الفنان قاسم محمد التراثية بين فن المقامات وكتب التراث، حيث يختار الشخصيات الساخرة التي تحفل قصصها بالحكايات الشعبية والطرائف النادرة، لذلك ينبغي البحث عن الدلالات الغنية بالمادة التراثية انطلاقاً من تأثير الحس الدرامي في الحياة. ويري البشتاوي من خلال وجهة النظر هذه، شكل قاسم مشروعه الثقافي في سبيل خلق هوية عربية تركن إلي التراث ومعطياته، لا سيما فن المقامة، لطرح رؤية معاصرة تتخذ من الفرجة المسرحية وسيلة للتجسيد، ويري إن توظيف التراث في عروض قاسم محمد، يقوم علي بناء المواقف والشخصيات المسرحية وفق معالجة درامية جديدة تحرص علي تقديم مسرح أكثر تمثيلاً لروح الشعب وضميره. ويختتم الفصل بالمبحث الخامس. توظيف التراث في مسرحيات غنام غنام، ويهتم بتجربة الفنان غنام غنام كونها مشروع فنان متكامل بصفته الشمولية وإمكانياته المتقدمة في التأليف والإخراج والتمثيل المسرحي، وقد وجد الفنان غنام في التراث الشعبي مادة خصبة يمكن استلهامها وتوظيفها في المسرح، ومادة ثرت للتعبير عن هموم الحياة اليومية وحكمها وأهازيجها وفلسفتها وطقوسها، فمسرح حكايات الناس عبر عن اهتماماتهم، وجسد في مسرحيات روح الفرجة المسرحية بأشكال متعددة ومختلفة. ولهذا يري أن التراث ظل حاضرا في مسرحيات غنام بكل تجلياته من تكنيك الحكواتي والراوي الشعبي، وحلقات الفرجة في الساحات والأسواق العامة، تلك الفرجة القائمة علي حضور البديهية، وارتجال المواقف المسرحية واعتماد الرقص والغناء والشعر الشعبي والزجل وسائر وسائل التعبير المختلفة.
تكمن أهمية كتاب توظيف التراث في المسرح العربي، أنه يقرن البحث النظري بالجانب العملي، وهو ما نفتقده في ثقافتنا المسرحية، وهو النقد التطبيقي، فالمكتبة المسرحية العربية تفتقد لمثل هذه الكتب التي تشير إلي التطبيقات أكثر مما تأخذ الجانب النظري الذي أشبع بحثاً ودرساً . /7/2011 Issue 3954 - Date 21-
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق