الثلاثاء، 8 ديسمبر 2015

نضال الاشقر ومنى واضف وماجدة الرومي ... صور مبدعات موشاة بالفضة.


نضال الأشقر ومُني واصف وماجدة الرومي... صور مبدعات موشاة بالفضة
وردة تزرع في السماء مع همسة كل امرأة


                                                    - مؤيد داود البصام
ما هو السر في الشعلة التي تتأجج باستمرار؟ فاي طاقة هي التي تحرك هذه الديناميكية، وتجعلها دائمة التوهج، إذا لم تكن مرتبطة بمزود لاينضب يحملها علي الاستمرار والبقاء، انها الطاقة التي تتجدد في داخل النفس البشرية، كلما أستوقفها ألم إنساني، او مشاركة حميمية لوجع ما، الطاقة المتأصلة في النفس البشريه في كل زمان ومكان، لاتحتاج لتاجيج لانها تتحرك من تلقائها، بمشاعر خارجة عن ارادة الفرد، الحلم الذي يراودها ان تكون البشرية عائلة واحدة، والانسان حر سيد نفسه، ينتمي الي الذين يقفون في صف المقهورين والمضطهدين اينما كانوا، نداً في مقابل صف من لايملكون الحس الانساني والمشاعر المتعاطفة مع المظلومين ضد الظالمين. هذه هي روح الابداع بانساقه، الذي يحمل الوجع الانساني ويناضل من اجل قهره، تحركه المشاعر الانسانية التي تتلبس الكائن فيغدوا من فرط حساسيته، مثل الطفل في انفعالاته، حتي لتحس انك امام اطفال وليس امام عمالقة خرج من بين ايديهم وافواههم وعقولهم أعظم الانتاج البشري وأخلده، ان عظمة المبدعين الحقيقيين والذين خلدتهم أعمالهم، هي تلك المشاعر الانسانية المفرطة في الحساسية، والتي لاتنظر لأي مكسب سوي التعبير عن مشاعرها اللحظوية تجاه الحدث، تجاه الألم الانساني في كل زمان ومكان، و صوت (انتجونا)، يدوي في الارجاء يقض مضاجع الطغاة والظالمين " ولدت لأحب لا لأبغض "، انه المعني الانساني الذي يحمله المبدع في داخله، يتقن ممارسة الحب ولايعرف البغضاء والحقد، ولا أريد ان اتخذ المطربة الرائعة فيروز مثالا، لان ما كتب عنها يغطي ما للقول مجددا عنها، ولكن للفت النظر كمثال لنقطة مهمة في أداءها، انها عندما تنطق الكلمات ذات الاثارة والمعبرة عن المشاعر والاحاسيس، فان جسمها ينتفض وكأنها تخرج الكلمات بهذا الدفع الضاغط، حيث تهبط يديها بلا شعور الي ما تحت خصرها، ومع انطلاق الكلمات، ترتفع بيديها وبرفع جسدها الي اعلي كانها تستخرج روحها مع الكلمات، تريد ان تطير، بينما تتمثل عند كوكب الشرق في الحركة الشبه دائرية التي تقسمها ما بين اليسار واليمين وهزة الرأس وشد الكفين، وكانها تعصر الروح لاخراج الكلمات، وهو ما سنجده يتكرر بصور متوازية اومختلفة فيمن سنكتب عنهن، انه التعبير عن اقصي درجات التوافق بين الحسي والروحي.

ما أوجه التشابه في الاداء؟ هل المقارنة تفي بالغرض لاكتشاف الحقيقة؟ قد تكون المقارنة احد الطرق للوصول الي الحالة، ولكنها ليس كل شيْ، فالملاحظة التي اوردناها عن الرائعة فيروز وام كلثوم، ممكن ان نجدها في أداء الراحل ناظم الغزالي او عبد الحليم حافظ بصورة واخري كما سبق القول، او عندما كان الراحل محمد مهدي الجواهري يلقي شعره، او عندما يلقي الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، او الشاعر مظفر النواب، وهناك امثلة كثيرة لاحصر لها في الوطن العربي لشعراء ومغنين وفنانين وممثلين، تنطبق عليهم هذه الحقيقة، ولكن هل هذا الرأي ينطبق عندما نتحدث عن ثلاث رائعات، بصمن باصواتهن وحركاتهن وسكناتهن، علي الفنون السمعية والمرئية، ليس في واقعهن المحلي بل تجاوزن محيطهن الي مداه الواسع عربيا وعالميا، وهنا نجد المفارقة، أن الراحل عبد الحليم حافظ كان بنفس الانفعالية في الاداء ويغرق في الاداء ويذوب مع الكلمات، بينما نجد اعظم الملحنين العرب محمد عبد الوهاب، كانت انفعالاته هادئة، ولا يتكلف مشقة الانفعال وتنساب الكلمات بتلقائية وسلاسة، وياتي السؤال، اين يكمن السر في هذه النقطة؟ .
ولسنا الان بمعرض الاجابة السريعة علي هذه النقطة، حتي نستوفي، ما اردنا ان نقوله، في اوجه التشابه في انفعالية الاداء بين المبدعات اللواتي اخذناهن مثالا علي صدق المشاعر، الذي جعل منهن قمما اينما وصل صوتهن او وقفن علي خشبة المسرح او ظهرن علي شاشة التلفاز، الفنانات نضال الاشقر وماجده الرومي ومني واصف، قمم وضعن بصماتهن في المسرح وفي الغناء، بصوتهن وادائهن الذي أبهر السامع والرآئي، وعندما نتحدث عن كل واحدة منهن بخصائصها، فكانما نتحدث عن الاخريات .

نضال الاشقر.. وصوتها المعجون بالعسجد..
فهل تمتاز نضال الاشقر ببحة صوتها وتوناتها العالية، ذات النبرة الموسيقية المتعددة التونات؟ من دون ان تكون لهذه الحنجرة مثيلا؟ وللحق أن هناك مثل هذه الحنجرة الكثير، ولكن اني لهم هذا الايمان المترسخ بقضية الانسان، لتخرج الكلمات من القلب، بكل انحناءاته وتقلصاته، فتسمو الكلمات ويتعالي الجمال في اعمق معانيه، انه السحر الذي تعبر به حتي لكأنك تخر من وقفتك دهشة للكلمات من اين لها هذا السحر والجمال، انها تستخرج مكنونات النفس البشرية فتضيع في الانسجام الذي تحدثه فيك، الحركة، وتعبير الوجه، انه التعالي الذي تبثه، بين الاداء في حركة اليد والجسد وتعابير الوجه وانطلاق الكلمات، تختلط الاحاسيس بين الحس الرومانسي الشاعري الذي يوحيه رخامة الصوت، والبث الثوري لانطلاق الكلمة، الذي يجعل السامع تتجسد لديه الاحاسيس بشكلها المعمق كما اراد لها الكاتب او الشاعر، وتبتعد عن كونها كلمات مكتوبة او حروف منضودة، انما مشاعر متاصلة تصل بقوة اقناعها من خلال الصوت والحركة وجمال اللحن وابداع الخالق في تركيب هذه القيم الجمالية بتناسق مبهر، فتغرق بين لحن الكلمات وبسالة الحركة التي تمجد علو الانسان وشموخه، انها تحملك علي الارتفاع والسمو، تستخرج الكلمات بعمق احاسيسها التي انصبت من أعماق واغوار النفس الانسانية، التي تعيش الحب بكل جلاله لتمجيد الانسان والشجر والجماد وكل ما هو جميل، وهذه المشتركات تجدها تتكررعندما تسمع وتري الفنانة ماجده الرومي، اوتري المبدعة مني واصف.                       .

منى واصف وماجدة الرومي   والحميمية..  
الفنانة ماجدة الرومي بكل طابعها الدرامي، وهي تندمج بيديها وحركة جسدها، وزغللة عينيها وتعابير وجهها، تصل في لحظة النشوة الي فقدان السيطرة علي اجزاء الجسد، وتغدق تعابير وجهها صور الانتشاء والانسجام والذوبان بالكلمات، التي تخرج عن المألوف، وكأنها تحتار في اختيار الطريق الذي تخرجُ به هذه المشاعر، فتتحرك بتناقضٍ يصل الي حد التوهان، بهذا السمو الروحي الذي يسعي له المريد بالمجاهدة للوصول الي لحظة التجلي والتوحد، تنشر اطياف لكلمات تختلف مخارج حروفها عن مالوف ما نسمع، ان لحظة النشوة والذوبان التي تصاحب ماجدة وهي تنطق الكلمات، تجعلها كانها للتو تتذوق حلاوة ما تقول، وليس ما عملت عليه منذ لحظة اطلاعها علي النص والبروفات، فهو الزمن غير المحسوب للحظة التذوق والانتشاء، فاي كبرياء وسمو تحملها وهي تطوح بيديها وكانها تحارب جيوشا فتنزلق السيوف والرماح من بينهما، وليس أمامنا الا ما لخصت هذه الحالة بكلمات، في كيفية اندماج الكل بالجزء والجزء بالكل، ما عبرت عنه اعظم من ابتدع الرقص التعبيري في القرن العشرين، الراقصة الامريكية ايزادورا دنكان، 1878 ــ 1927، بقولها " المشهد هو أنا، لا تقولوا هو حالة نفسية، بل قولوا هو حركة نفس، أندفاعة نفس، انفجارة نفس، انني ارقص حركات روحي "، من مذكرات دنكان التي ترجمها الراحل حافظ الدروبي . انها حالة السمو التي تتحدث عنها في انطلاقة الروح في التعبير عن المكنونات الداخلية، حينما تتحرر الروح من قيود الجسد، وكذلك جسد هذه الحالة التعبيرية الخلاقة لسمو الروح وانطلاقتها، الراقص الروسي الاسطورة رودلف نورييف، 1938 ــ 1993، وهو نفس الاحساس والانطباع الذي تخلقه لنا الفنانة مني واصف، عندما تقف علي خشبة المسرح او أمام الكاميرا.

                                                  
مني  واصف وحلم الشموخ..

أي اداء تقدمه هذه المبدعة واي كبرياء وشموخ، ينطلق في تعابير وجهها وحركة يديها وصلابة جسدها، حتي عندما تبكي، ففي بكائها كبرياء وكرامة المقهور الذي لايملك امكانية الرد، ولكنه لا ينحني لمذليه، في كل مشاهدها التي قدمتها في لقطات البكاء، هناك كبرياء وعزة نفس، وليس خضوع واذلال، انها تمثل روح الشموخ والعظمة، وليس شكل الذل والهوان، وهنا مكمن عظمة الاداء الذي تنسجه بقوة صوتها ورسوخ حركتها التي تمنحك طابع التحدي والسمو والشموخ، لما قرأناه عن المرأة المناضلة والفارسة، والجزء المهم في حياتها الاجتماعية والفكرية، المرأة العربية في حركتها الواقعية والاجتماعية والفكرية عبر العصور،] وهذا لايعني حصر الفكرة بطابعها القومي، ولكن ما قدمته من اعمال صورت المرأة العربية في عصورها من الخنساء ولحد الان [، انها تمنح البناء الدرامي للشخصية ابهي صورة، اذا كان دورا تاريخيا او اجتماعيا، لاتحس فيه تلك الميوعة، التي تخذل الممثل لعدم ادراكه وغوره في معرفة البناء الدرامي للشخصية المنوط به تمثيلها ضمن الجو العام، انها تمثل حالة الانسجام، وكأنما الدور هي وهي الدور، فلا يمكنك الا ان تنسجم مع انسجامها وتكسر الحاجز الذي بينك وبينها، بان ماتراه حقيقة وليس تمثيل. ان الجهد المفعم بتصوير الحالة واعادتها الي البناء العام للنص، هو ما تؤديه مني واصف وكأنها خلقت له.
فماذا يسع السامع والرآئي، الا ان يدرك الحلم الذي يتجسد علي ارض الواقع، ليتمثل حلمه، عندما نقف لاحتساب الرؤية والانصات، سندرك ان نشيد الانشاد الذي تتلوه نضال الاشقر بسحب الكلمات والالحان من الاعلي الي الاسفل، تقابلها مني واصف التي تبني قاعدة صلدة البناء لرفع الصورة والكلمات من الاسفل الي الاعلي، وتجتمع الصور والكلمات بين السماء والارض، عندما تشدو ماجدة الرومي، وكأن العالم يخلق من جديد، ويبقي أن ابداع المثال الذي اتخذناه نموذجا، هو الذي يحسسنا بانسانيتنا ويدخلنا في المتاهة بين الواقع والحلم، والرؤية والفنتازيا، ومرده عندما يكون الصدق في المنطلق هو الدافع الاساس الذي يلتزم به المبدع، يصدر هذا الابداع الرائع، وما يأتي بعده تحصيل حاصل.




الأحد، 11 أكتوبر 2015

عطيل يعود بحثاً عن دزدمونه في مسرحية ( إنا لحبيبي)...

http://www.azzaman.com/empty.gif












  


عطيل يعود بحثاً عن دزدمونه في مسرحية ( إنا لحبيبي)...
ممثل واحد يأسر الصوت وهوامش التاريخ

                                                      - مؤيد داود البصام

علي قاعة المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي في عمان ، قدم الفنان غنام غنام مسرحية (إنا لحبيبي ) من تأليفه و إخراجه ، و تمثيل الفنان المخرج خالد ألطريفي . و قد ارتبط الثنائي غنام و خالد كمخرجين و ممثلين في أكثر من عمل ، فقد سبق إن اخرج خالد ألطريفي مسرحية (ملحمة فرج الله ) العام الماضي في مهرجان المسرح الأردني ، من إخراجه و تأليفه و تمثيل غنام غنام احد الممثلين الرئيسيين في المسرحية ، و الآن يتبادل الأدوار فيكون غنام مؤلفاًُ و مخرجاً و خالد ممثلاً .
في هذه ، التجربة يخوض الفنان غنام ، تجربة جديدة من تجاربه في لغة متحولة علي خشبة المسرح ، فهو يحاول إن يجمع بين العمل الكلاسيكي المبني علي القواعد الأرسطية ، و بين الرؤية الحداثوية ، و الخروج من مسرح العلبة و جعلة فضاءً تسبح فيه الكتلة المنظورة ، لهذا ينوع في تجربة بين الفخامة و البساطة ، و لكنة يبقي في سعيه لإبراز قضية الإنسان و الغور في أعماقه  استجلاء ما يضمر تجاه الظلم الذي يقع عليه ، أو يحركه لرفض الظلم و كشف الظالمين كما في مسرحية ( السياب يعود ثانية ) في محاولة لاختراق حاجز الصمت و جعله ينطق بما يسكت عنه ، و تبقي العناصر الجمالية التي يلجأ إليها ، هي في إيجاد خيط التطور المرتبط بالنظريات و التيارات القديمة و الحديثة ( لكون الفن المسرحي يملك اتساعاً كبيراً غير محدد و مشروط في إيجاد المناخات التي تلاؤم الرؤية ، و تعدد تأويلاتها ، فالمسرح جامع شامل لكل الفنون و الأنساق ، و لكنة وحدة منفردة في قدرته علي التماس المباشر الحي مع المتلقي) . ساعده في هذا المنحني سعة المعرفة و كثرة الاطلاع التي يمتاز بها غنام ، وحبه للمغامرة و التجديد .
مسرحية (إنا لحبيبي ) تقوم في بنائها علي ممثل واحد (خالد ألطريفي ) و مضمونها إعادة كتابة لحظة الفعل عند عطيل بين القبول و الرفض و عند ممثل شخصية عطيل ، و في هذا المنحني الذي يقدمه النص مفارقة لتعدد الأصوات في صوت واحد ، و مقارنة لفعل الأقدام و التردد في صياغة شخصيتين من الماضي و الحاضر ، و هي تؤكد علي البحث في أعماق الإنسان و مشكلته في التعامل الذاتي بينة و بين محيطة ، و كيفية تعامله مع الحدث في و وقائع الحياة اليومية ، فالاستناد علي إعادة كتابة الإعمال العظيمة من المسرح اليوناني و الإغريقي و الروماني و خصوصاً إعمال شكسبير ، فيها خصوصيات معرفية ، فقد أعيد كتابة الكثير منها برؤية معاصرة ، وكتب نص (إنا لحبيبي ) بلغة تقترب و تبتعد عن لغة شكسبير حسب متطلبات الدراما ، وهو تعامل ينبني علي أساس المسرح التجريبي الذي يحتوي علي الحداثة وما بعد الحداثة ، ولكن غنام لا يخرج إلي الحدود التي وصل إليها مسرح ما بعد الحداثة ، فهو يظل مشدوداً إلي جمهوره وواقع هذا الجمهور علي الرغم من تجاربه الحداثوية و إدخال العناصر المعاصرة في النص و الإخراج ، و التعامل مع النص الكلاسيكي لتحويل الفكرة التاريخية العامة إلي فكرة معاصرة ، موائمة للأخذ من ينبوع الماضي وإضفاء الرؤية المعاصرة علي الفكرة في الماضي ، لإعطائها صورة مستقبلية وجديدة ، فهو يعيد صياغة مسرح النص إلي رؤية جديدة لإثارة الاستفزاز في قضية معاصرة ، بحيث يأخذ من المسرح الكلاسيكي ما يشعره بوجود عناصر متطابقا مع العصر الحاضر ، فيعيد الصياغة حسب مفهومه ورأياه.

كيف تعامل
مع النص ؟
حاول غنام إن يفعل النص باختيار لحظة معينة من شخصية عطيل في مسرحية شكسبير ، لإدارة الحوار بين عطيل الماضي و بين عطيل كوجود في نص غنام وهو ممثل لدور عطيل فبني الفكرة علي هذا المقطع علي ضوء لحظة التعارض بين ماهر كائن وما يكون مع جر البناء الفكري للنص من الشخصي إلي نقد الواقع الاجتماعي، بين تكوين عطيل الاجتماعي والفكري وما خلفه هذا البناء الاجتماعي علي طابع الشخصية الشكسبيرية ،وبين الواقع الاجتماعي والفكري لممثل دور عطيل في العصر الحاضر وما يعيشه من وقائع الحياة المؤلمة وما يمر به إنساننا المعاصر من صراعات علي صعيد الواقع المحلي والعالمي ، ورسم الشخصية في تقلباتها وتحولاتها برؤية معاصرة حسب وقائع الحياة التي تلزمنا في اتخاذ مواقف متناقضة لما نطلب ونريد وهو ما نجد الإشارة إليه في ثريا النص لاسم المسرحية (إنا لحبيبي) الشعور المتناقض بين فورة الغضب والوصول بها إلي حد القطيعة بالقتل ومن ثم الندم، وهو حال الممثل في رفضه ومن ثم قبوله بين إن يكون هو وبين الرضوخ لمتطلبات الحياة التي تفرض عليه للاستجابة والانصياع،و بين طبيعة عطيل التي فرضها تكوينه الفسيولوجي والوراثي وبين الانصياع لرغبات التسلط والقمع ممثلة برغبات المخرج التي يرفضها الممثل ،ولكنه ينصاع ويقدم ما يطلب منه ،هذا الصراع والتوترات عالجها غنام باللغة الشكسبيرية وفخامتها علي صعيد النص واللهجة المحلية المحكية في تزاوج مبدع يتحرك الإيقاع للارتفاع بنا حلمياً مع تصاعد الكلمات والجمل والصوت وحركة اليدين للمثل ثم يهبط به إلي ارض الواقع عندما يعيدنا لتحسس اللغة المحكية وبنيرة تعيدك إلي ارض الواقع.

الإخراج والتمثيل
إن مسرحية الممثل الواحد من المسرحيات التي تتطلب جهدا من المؤلف والمخرج والممثل لأنها تتطلب إبعادا تختلف عما في المسرحية المتعددة الشخوص، ففي مسرحية الممثل الواحد يكون الجمهور بمواجهه شخص واحد، والقاعة تركز علي نقطة واحدة معينة، ولا بد لهذه النقطة التي يمثل مركزيتها الممثل إن تبقي المشاهد منشدا لها ولا تحدث الملل والضجر لديه وتفقد إمكانية الإثارة والاستفزاز وهو يتطلب كما سبق واشرنا إلي جهد ليس بالقليل وهو ما استطاع غنام إن يقدمه في هذه المسرحية بحركة الممثل التي حصرها في الديكور المنفذ هو الأخر بطاولة مستطيلة بحدود ثلاثة أمتار طولا والمتر عرضا مغطاة بقماش شفاف توحي بوجود شخص في أسفل الطاولة، وهو ما يشير إليه الممثل علي أساس انه مكان اختفاء (دزدمونه)، وبهذا حصر حركة الممثل في نقطة مركزية مع حركة محسوبة إلي عمق المسرح بنفس إسقاطات خطوط عرض الطاولة وترك بقية خشبة المسرح للفراغ من دون ديكور، فحقق مسألتان في هذه الحركة حداثة الفكرة وحصر تركيز المتلقي في بقعة محددة بحيث جعل المشاهد لا ينتبه إلي بقية الفراغ في خشبة المسرح بجعل الكتلة في المراكز الوسط وحقق الثقل في الوسط ،وجعل الفراغ يدور حولها ونجح في الرؤية التشكيلية بإعطاء الموازنة للإطار العام ولم يشتت الرؤية البصرية لأمن حيث الديكور أو الحركة، واحدث توازنا عاما في التشكيل للوحات ساعد في ذلك الإمكانيات الفنية للفنان محمد مرشده في ملاحقة النص والتمثيل في تصميم وتنفيذ الإضاءة التي جاءت مواكبة للحركة والحدث وأضفت روح الامتلاء علي خشبة المسرح، لاشك إن الإمكانيات التي يمتلكها الفنان خالد ألطريفي كممثل تلقائي بارع مكنته من ملاحقة النص ومنحته هذه الروح في شد الجمهور، فالحركة والإيماءة والتنغيم كلها بوصفها لغات مسرحية تختصر الكثير من الحوار والكلمات والجمل قد برع فيها الممثل خالد وجاءت القيمة التعارضية بين تكوين جسم عطيل الشكسبيري كمقاتل وذو عضلات ويتسم بالرشاقة وبين التكوين الجسدي للفنان خالد الذي تحرك علي هذا الإيقاع ليستلب الحركة الدرامية بين الشخصية الأصل والممثل المعاصر لهذه الشخصية، وان ما يريد إن يقوله المؤلف بأنه يريد إن يقدم عطيل كما أراد شكسبير ولكنه أراد إن يعطينا عطيله بصراعاته ومشكلاته المعاصرة التي تختلف عن تكوين عطيل الأصل، حتى بالتكوين الجسدي للمثل خالد الذي برع في شد الجمهور حركة وصوتا وإمكانية هائلة علي إخضاع خشبة المسرح لوجوده، واحتواء المشاهدين بفرض بساطته وعفوية الحركة والايماءه لامتلاء الكتلة والفراغ، وجعل الكتلة خاضعة لعرضه وسيطر علي الفراغ بالحركة واللاانفعالية وأسقط الانفعالات المصطنعة إنما كانت حركاته عفوية ،وحواره المتقن هي التي شدت الجمهور وحبست أنفاسه مع وضوح النطق، كما إن المخرج ترك بطله يتحرك ضمن رقعة محددة لكنه استطاع إن يغطي خشبة المسرح فلم يلجأ إلي الحركة الواسعة والمربكة إلا في حدودها لكي تأخذ دورها مع الحوار بلغته العصرية.
إن مسرحية (إنا لحبيبي) عرض متميز شد الجمهور وقرب فكرة الصراع الإنساني المعاصرة بحدودها وتناقضاتها الذاتية أو من خلال الشد الخارجي حاكت الماضي بفكرة تنتمي إلي الحاضرة وربط الماضي بالحاضر، ملتقطا لحظة واحدة من لحظات العرض الشكسبيري ليحولها إلي دراما برؤية معاصرة من دون إعادة لصياغة المسرحية بأكملها. انه يلخصها كما جاء علي لسان الممثل في نهاية المسرحية (قتيل العشق والظلم والغدر والمسرح)ليوضح لنا نضال الإنسان ضد الظلم الذي لا يستطيع  إن يدرءه أو يقف منه موقف الند ، لأنه مستلب .



الجمعة، 25 سبتمبر 2015

مسرحية نارفانا






 سدهارتا والسؤال الفلسفي، مسرحية  نارفانا لحكيم حرب.




                                                
-
                                                                                                 - مؤيد داود البصام

         بقى السؤال الأبدي  الذي بحث عنه الإنسان، ( أين تكمن سعادته ؟(،  وشغل كافة الأنساق في الفنون والآداب والعلوم وفي كل المجالات التي أتيحت له فيها البحث والتقصي للوصول إلى الجواب لقرون عديدة، وظلت الإجابة التي لم يحصل عليها، تحمل تأريخ نضال الإنسان فكرياً وعمليا، فالرجل يبحث عن سعادته في المرأة والمرأة تبحث عن سعادتها في الرجل، العلماء يبحثون عن سعادة الإنسان في إخضاع الطبيعة لإرادتهم ، وبعضهم يرى سعادته في إخضاع ذاته وشهواته للعقل.. وهلم جرا... ولكن كل هذه الأنساق مهما تباعدت واختلفت فإنها تصب في منبع واحد، هو أين تكمن سعادة الإنسان ؟، حاولت الفلسفة أن تجيب عن هذا السؤال عبر عشرات الأسئلة التي انبثقت من السؤال الأول من دون أن تحظى بالإجابة، ورواية الكاتب الألماني هرمان هسه، ( سدهارتا ) واحد من هذه التساؤلات التي طرحها الفلاسفة والمفكرون على مدى قرون، أين تكمن سعادة الإنسان ؟ هذا السؤال وأسئلة أخرى، حملتها رواية ( سدهارتا..) ببعدها الفلسفي وبكل أبعاد الرؤية الفلسفية التي طرحتها، وقد جاء اطلاع كاتبها هرمان هسه على الفلسفة الهندية ومعايشته لروح الفلسفة الهندية عن قرب، وهضمه للحراك الفلسفي في عصره، كونه محسوبا على اليسار الأوروبي المعارض للفاشية والنازية، وذا رؤية وجودية للعلاقة بين الإنسان وذاته، حيث كان وقتها الجدل محتدماً بين فلسفة هيجل التي غزت أوروبا، وبين ظهور نقد المتأثرين بها، مما سمي باليسار الأوروبي، ففي الوقت الذي بنى هيجل فلسفته على أطروحات عقلية صرفة للوجود، كان كيركغارد ينطلق في معارضته من مقولته التي مثلت بداية الفكر الوجودي، الذي سوف يتأثر به الكثيرون ابتداء من مارسيل وسارتر وكامي وآخرون التي يقول فيها، ( الإنسان يختار وجوده، الحقيقة هي موضوع شخصي يعتمد على وجوده الشخصي)، وهو ما تناقشه رواية سدهارتا  سردياً، وتناقش هذا الموقف الذي يعبر عنه سورين كيركارد بالقول، ( عندما تفقد كل الأشياء تكون في قمة المأساة، في هذه الحالة تكون مستعداً للإيمان بالله) ،وكيركارد هنا يتفق مع الفكر والفلسفة البوذية والصوفية، وهو ما حاول هرمان هسه أن ينقله عبر بطله سدهارتا، ولكن يأتي التساؤل، كيف أستطاع مؤلف غربي أن يتماها وينجز تواصلا روحيا متوازيا مع الإعجاب بسحر الشرق، ويتحدث بروحيته، كما حدث مع الروائي الفرنسي اندريه جيد والشاعر الروسي بوشكين، والشاعر الألماني غوته الذي أعطى هرمان هسه دفعة معرفية للغوص في فلسفة الشرق وآخرون ظهروا متأثرين بروح الشرق في الغرب، ولكن تماهي هرمان فيه هذه الروح الشرقية في تساميها وبعدها عن المادي، ومن تتبع حياة هرمان يدلنا (إذا قلنا مجازاً ) على نوع التطابق الروحي بين حياة هرمان هسه، التي ابتدأها منذ بواكيرها بالاستقلال عن العائلة، عندما ترك البيت وبدأ حياته بالعمل بوظائف متعددة، واتخاذه البعد النقدي في رؤيته الفلسفية للواقع، مما أثرت على طبيعة تفكيره تجاه الكون والحياة والواقع، وفي دراسة نشرت في جريدة الدستور الأردنية للناقد الصديق ذو الاتجاهات الفلسفية مجدي ممدوح،  يتساءل فيها حول عدم نقد أدوارد سعيد لهرمان هسه من خلال الآليات التي فكك بها ادوارد الخطاب الامبريالي، إذ يكتب، (هل كان هسه بارعا في تقمصه الروح الشرقية حد التوحد؟ هل كان مخاتلا للحد الذي صرف أنظار سعيد عنه؟ يبدو الأمر كذلك.)، (20 كانون الأول 2011). تبدو قناعة مجدي ممدوح في تقمص هرمان هسه بروح الشرق متوافقة مع من يطالع رواية سدهارتا، ويطلع على أعمال هرمان الروائية، ( ذئب البوادي ولعبة الكرات الزجاجية ) يشعر بهذا النفس الشرقي الذي يتلبس هرمان هسه والروح الصوفية التي تستحوذ عليه، وهذا يذكرني في بداية السبعينيات من القرن الماضي، في تطابق الرؤية، إذ أهداني صديقي الفنان والموسيقي الرائع عبد الحميد حمام مجموعة من أعمال هرمان هسه الروائية، (وما زلت أحتفظ بها في مكتبتي)، كتب في الصفحة الأولى لرواية ذئب البوادي، (وجدتك في ثناياها وأحببت أن تكون عندك.) وهو ما يؤكد انطباع الناقد مجدي ممدوح أنه تقمص روح الشرق، ولم يعانقه اطلاعا ً من فوق.
النص والإعداد لرواية سدهارتا..
          إذا ما نظرنا إلى الإعداد الأولي لمسرحة رواية (سدهارتا) كما أعدها المخرج  حكيم حرب باسم (نيرفانا)، والتي قام بالتغيير والتحوير عملياً وليس سردياً، في كل مرة عرضت على خشبة المسرح، فقد رأيتها أكثر من مرة وفي كل عرض أجد شيئا ً جديدا ً، من خلال نظرة حكيم حرب التجريبية، واتخاذه الأسلوب التعبيري في الإعداد والإخراج، لأننا لو حللنا رواية هرمان هسه فسنجدها تقترب من التعبيرية وتتماها معها،  وهذا يؤشر لنا أن حكيم حرب حاول أن يجعل النص يتوافق مع رؤيته الفلسفية في الحياة، مكونا ً نصا ً يستقي من الأصل ويضيف رؤيته الخاصة، بإنتاج نصا ً مسرحيا ً، يحمل الدلالات والرموز التي أرادها هرمان هسه في روايته، وأضاف عليها حكيم شيئا ًمما يتذوقه كشرقي ليدعم النص بما يريد أن يجعله رؤية مشتركة، فجاءت أشعار المتصوفة الحلاج والشيرازي وابن الفارض وشعر محمود درويش ذات النفس الوجودي التي أضافها على النص، كونها رؤية صوفية تتوحد مع الفكر الوجودي في النظر إلى الواقع وعالم الشخصية الداخلي، مكملة للطابع الشرقي الذي حكم النص، وقد ساعدت رؤية حكيم للمسرح ضمن مفهوم  التجريب أكثر منه للتكريس إلى أبعادها عن الايقونية، من خلال فهمه لما يعنيه المسرح في العصر الحاضر والرؤية الحداثوية في تمثل كل الأنساق دون الوقوف على نسق واحد، فالعالم شئ متجدد لا يمكن اللحاق بما يحدث فيه، ولكن هذا لا يعني أنه خرق الجدار بينه وبين هرمان هسه، فروح هرمان هسه كانت متواجدة في كل العروض، وهذا هو المهم فهو لم يغير وإنما أضاف رؤية معاصرة على رؤية هرمان هسه الشرقية، فقد جعل العرض لوحات متعددة، تكاد أن تكون مستقلة، ولكن يوحدها البطل وهمومه مجسداً جوهر الأشياء دون إظهار خارجها، ليصل في النهاية لتجميع الخطوط، فقد بني العمل على شخصية محورية هي (سدهارتا)، التي تمر بأزمة نفسية وعاطفية، فهو ابن عائلة براهيمية ودرس وتعلم البراهيمية، ولكنه يصل إلى اللحظة التي يجد نفسه مستهلكا ولم يصل إلى شئ، فيتمرد ليبحث عن عالمه في البوذية أو في عالم التصوف على طريقة السامانا، بترك كل الملذات الحسية والعيش بتقشف وزهد، وكذلك يجد أنها لم توصله لما يريد، فيذهب بنفسه للبحث عن وجوده من خلال تجربته الذاتية بمعايشة الواقع والاستمتاع بالملذات الحسية، لكنه يجد أن هذا العالم لم يعطه ما أراد، ليعود إلى النهر من جديد يستقي منه قوة الاندفاع والحركة للتغيير والتبدل، وروح الحياة الدائمة الوجود، وكما ينمي النهر النبات وكل الأحياء فانه يكتشف بابنه الذي خلفه من الراقصة كمالا استمرار للحياة وتدفقها في علاقة الحب بين الأنا والآخر. وهذا هو التمازج بين رؤية هيجل للعالم على  أسس ديالكتيكية، في تغير الأشياء حسب وقتها، كما يتغير الإحساس بماء النهر في كل مرة ننزل إليه، مع رؤية كيركارد بعلاقة التواصل بين الإنسان وذاته، وهو ما يؤشر على الرحلة مابين خارج النفس البشرية وداخلها، إن رحلة هرمان هسه في (سدهارتا) رحلة الروح إلى عالم القيم والأخلاق، ومغادرة عالم الغرب التواق إلى المادة فقط. .  .
الإخراج والتمثيل...
          لم تخرج الرؤية الإخراجية عن روح النص ( الهرماني) وفي كل الإضافات في الحركة والسينوغرافيا، كان هناك تأكيد على إنضاج العرض من دون أن يحدث تغييرا يسقط نصا ً مغايرا ً، فقد حافظ على عملية التواصل الفكرية للغة العرض المسرحي، موجدا حيزا من التواصل بتأكيد أهمية العرض البصري المسرحي، وهذا ما حاول أن يقدمه لنا عبر متابعة والسينوغرافيا في تأثيرها على النص الأدبي، بنقل الحدث إلى داخل قاعة العرض باستخدام جسر ممتد من نهاية قاعة العرض إلى بداية خشبة المسرح، الذي تحرك عليه سدهارتا بالذات للإعلان عن رحلاته أو عودته من رحلاته، محققا تواصل واندماج بين الجمهور وخشبة العرض، إن النزعة التجريبية التي قدمها الإخراج في المزاوجة بين الأساليب والمناهج المتنوعة، فقد دمج المنهج التعبيري الذي صاغ بناء العرض المسرحي عليه، مع الرمزية والتجريدية،  وأستطاع أن يقدم لنا الممثل حكيم حرب الذي مثل دور البطل سدهارتا في أطواره المختلفة،  بحالته النفسية القلقة والروح المتمردة والمترددة المتسمة بذاك الهدوء والطاعة الذي تضفيه عليه كونه من أتباع البراهيمية ، ليشكل مع ممثل دور كوفيندا صديق سدهارتا وتابعه ( كيمو محمد ) هذا الثنائي الذي أبدع في تقديم عرض شائق للتوافق بين السكون والحركة، بين يقينية كوفيندو وشك سدهارتا، ولعل اختيار المخرج للفنان بكر القباني بصوته ذو النبرات المجسمة، أعطى نكهة تعبيرية في خلق عالم روحي تتجسد فيه روح الشرق ورشاقة حركة الرهبان ونظرة التأمل وسكون حركة الرهبان أمام موقف حاسم عندما يتمرد تلميذ على تعاليم أساتذته، مؤكدا على الحركة الكلاسيكية للجسد، وتأثيرها في مثل هذه المواقف التي تتناقض مع استغلاله لفيزياء الجسد عند كوفيندو وكمالا، وكان لتأثير السينوغرافيا التي اعتمدت على إيجاد علاقة بين التبدلات النفسية والفكرية والألوان في الضوء والموسيقى من قوة دفع لتوضيح المشاهد، وأبدعت الموسيقى التي صاغها الفنان عبد الحليم أبو حلتم في تحريك روحية العمل وجعله متناسق ضمن درجات الاحتدام والسكون، واشتغل على التجريد في الديكور أكثر ما أتاحته الإمكانية لتوضيح العلاقات في العرض المسرحي لربط العناصر ببعضها، خصوصا استخدام قطعة القماش التي أعطت حركتها ما يشبه انسيابية النهر وحركة تموجه، وبالعموم فان جميع الذين اشتركوا لم يألوا جهدا في تقديم أفضل ما عندهم، محمود عوض والطفل قيس حكيم، وهو ما نجده في بقية فروع السينوغرفيا لماجد نور الدين وتصميم الأزياء والديكور لهالة شهاب، وفني الصوت خالد الخلايله،

                         




الجمعة، 18 سبتمبر 2015

جاء الخبر مثل وقع الصاعقة، بوفاة الصديق المبدع أياد حامد يوم الاربعاء 16/9/2015. تفجر حزن في القلب، ونشفت الدموع، كنت انظر لك ياصديقي، دأبك وحرصك ورؤيتك ورؤاك، شئ سيكون له شأن في المستقبل، لكن .. انا لله وانا اليه راجعون، ليس بين يدي شيئا الا ان انشر ما كتبته عنك:






.التعبيرية بين الانفعالية وحركة الجسد في أعمال اياد
- مؤيد داود البصام

شكل النحت العراقي قراءات متعددة خلال مسيرته في العصر الحاضر وفترة التأسيس الحديثة، فعمره بمقدار ظهور الأعمال النحتية ذات النهج الواقعي، وبتقنية أكاديمية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ثم عندما بدا خط الشروع للفنان العراقي في تقديم أعماله التي استندت فلسفتها إلى أغلب أعمال الفنان الرافديني لتستقي منه خطابها، ويعد نصب الحرية الانجاز الذي أكد طموح الفنان العراقي لإيجاد معادل موضوعي بين الماضي والحاضر، ومحاولة أيجاد الصيغة التي تجعله يضع فلسفة للربط بين الأصالة والحداثة، حتى لتضيع عليه فرصة ما يحدث من تطورات ومتغيرات في عالم الثقافة عامة والفن خاصة، وأن يبقي جذوره على اتصال بتاريخه وماضيه وحاضره،ولكن هذه المسالة جاءت مع زحمة الإعمال التي خضعت لمنهج التجريب (إذا وضعنا التجريب كمنهج افتراضي ، لان المنهج يفرض قواعد، والتجريب قواعده في داخل العمل المنجز خصوصا وليس عموما) فاتخذت الأجيال ما بعد الرواد الأوائل طريقا يبتعد حينا ويقترب أكثر الأحيان مما بناه الرواد، في أسلوبهم بين الواقعية والواقعية التعبيرية، ويعتبر ما وضعه جواد سليم النموذج في نصبه (نصب الحرية في ساحة التحرير) وإعمال أخرى له ولفنانين آخرين، العمود الفقري للنقلة الشكلية والمضمونية لفن النحت العراقي الحديث، أو الثورة في الشكل والاستمرار بالنظر لأهمية الموضوع في العمل، ومن هنا نجد أنفسنا مضطرين لمعاينة المنجز من خلال منظور قدرة التجريب لدى الفنانين ما بعد فترة الرواد على تقديم ما يؤسس بما يوازي ما وضعه الأوائل، وأيضا تأثيراتهم على الأجيال اللاحقة، والنحات إياد حامد لا يختلف في التقييم عن ملاحظة ما أوردناه أعلاه في أعماله من حيث الشكل أو المضمون، وهذا لا يعتبر انتقاصا او ثلمة فيما يقدمه من منجز، فهو يمتلك النضج الفني في بناء طريقه لإيجاد ذاته، والانطلاق بفلسفة تجعله، يتقدم ولا يمحو خطواته التي تركها خلفه، بما تحمله من بصمات توضح تأثير أساتذته على أعماله أو تأثيرات المدارس والفنانين في العالم، من دون أن يخضع بنائية أعماله إلى الاستنساخ.
البناء الفكري وروحية العمل 
يعمل النحات إياد على الرؤية المتسقة التي توحد بين الذات والموضوع، والتي تجمع جيله والاجيال التي سبقته في الرؤية لصراع الإنسان مع الحياة، أو صراع الأضداد، من فكرة (أن الشر قوة تفرض وجودها أكثر من قوة الخير)، في عالم يرتكز في بنائيته على مفهوم استغلال الأخ لأخيه والقوي يأكل الضعيف، أن هو أدركها من خلال منابعه الذاتية، أو من خلال أساتذته الذين درس على أيديهم، او الذين درس أساتذته على أيديهم، من أمن وعمل ضمن هذه المفاهيم، وكلهم عمالقة فيما قدموه من منجز على الرغم من قصر الفترة الزمنية في انجازهم الفني، او الفترة الزمنية التي تفصلهم عن نحاتي الزمن الحاضر، فكلهم يخضع للزمن الحديث، فما زال عبق ذكرياتهم لمن رافقهم او زاملهم موجودة على قيد الحياة، مما يعني أن المؤثرات مستمرة، حتى وأن لم تتضح بصورة مباشرة على أعمال الجيل الحالي، وهو ما يدركه إياد، ولا ينكره على الرغم من جهده الذي يعمل عليه لبناء الذات المستقلة، التي تعي أهمية التعبير الذي لازم النحت، كونه جزء من فهم الفنان لطبيعة مجتمعه وانفعاله في المشاركة للواقع الذي يعيش فيه، ومدى تأثير الحدث على العمل الفني، ومن هنا فان الرواد ومن جاء بعدهم، لم ينتزعوا وجودهم من الواقع الذي تقتات رؤاهم عليه، ولم يتخلوا عن اللحاق بركب التطورات التي صاحبت العمل الفني والأدبي والفكري، ولكن كيف يمكن لهذه الإحالات النفسية والفكرية، أن تتحول إلى واقع ملموس عبر جمالية الصورة، نحتا ورسما، واستمرار الارتباط بالجذر، أن أحد اختيارات الارتباط في إعمال النحات إياد، هي المنحوتات التي يغلب عليها طابع المصغرات، فن اللقي (المصغرات)، في الفنون الرافدينية، وهو ما نجده في أعمال فنانين عراقيين آخرين، على سبيل المثال وليس الحصر ولكن لكونه ممن يشتغل عليها بكثافة وبرؤية جمالية فيها توهج الواقع مع الفنتازيا، الفنان محمود العجمي، وكما لدى العجمي هذا المزج بين الواقع والحلم وتضخيم الواقع لابراز قيم جمالية غير مرئية، واتساع ساحة الرؤية في هضمه الفن الرافديني برؤيا معاصرة، وابراز الكثافة التعبيرية التي كان يحررها الفنان الرافديني للتاثير على المشاهد، كذلك نجد في أعمال إياد أعطاء مساحة واسعة للواقعية في إعماله ودمج الرؤية الواقعية بالحلمية، وفسح المجال للرؤية التعبيرية في أن تضخ بكثافة من خلال مضامينه، وهذه المصغرات البرونزية التي قدمها في المعارض التي أشترك مع الآخرين او انفرد بعرضها في معرضه الخاص، هي استمرار للتواصل بمنجز الفنان العراقي القديم، ولهذا نجد أن اللمسة الأكاديمية تأخذ أبعادها في أعماله، بناء على الحرفية التي أكتسبها في مداومته على تنمية الخبرة والصقل، ومن خلال البناء الصحيح لتطوير إمكانياته الأكاديمية .
التأسيس الفني وفلسفة العمل 
أن أعمال النحات إياد يغلب عليها طابع الانفعال، والحركة العنيفة المصاحبة للشخوص (figures)، جدران تقف حائلا ً بين الإنسان وانطلاقته، لكنه يسعي للانفلات منها وكسر القيود التي تكبله،بالحركة الدافعة، أنها الدهشة وكأنها لحظة استفاقة يسعي للخلاص منها، وهنا تأكيد على الجسد وحركة الأجزاء والعضلات، ولأجل أن يجعل المتلقي مستعدا لتقبل الفكرة يترك الجسد عاريا لإبراز حركة العضلة في الجسد وبناءها الأكاديمي، ولتوضيح الأبعاد التعبيرية بين التقنية والخطاب، فهو يبحث في أغلب أعماله، عن مشكلات الإنسان المعاصر، ولإيجاد الصلة الانطباعية بين مدركاته المعرفية وبناءه العملي، يلجأ إلى تحديد السمات، من خلال قربها من الواقع، ويضع الشخص (figure) ضمن أبعاد رياضية، بين المربع والمستطيل، حتى يتيح للفراغ والكتلة حرية صياغة الفضاء الذي يؤطر العمل، أن تعدد الإعمال التي تبرز فيها حركة الجسد المأسور وهو يحاول فك أسر نفسه، تحيلنا إلى مجمل الصراع الذي يكابده الإنسان بمفرده، أمام عالم واسع لايفهم منه الذي يحدث، أن في أعماله حالة الإنسان وكأنه يستفيق من حلم مزعج، فيجد أنه واقع، مما يضعه في لحظة من العزلة والارتباك، و يتوضح هذا في تخطيطا ته التي يمكن التعرف عليها من خلال الشكل الهندسي الذي يتبعه في تخطيط العمل، وكيف يتعامل مع الفكرة لأجل التطبيق ضمن الرؤية التعبيرية، وتبيان القوى الضاغطة التي هي خارج إمكانياته، بين الخطوط المستقيمة الصلدة وبين الإشكال الهندسية، لرصد حالة التعبير بين الوجه وحركة الجسد، عبر التشكيل الرياضي وحصره في المربع والمستطيل عند التنفيذ، وإلغاء بعض الخطوط، محاولة لفهم الكتلة بمقدار تعبيرها من الداخل، وليس شكلها الخارجي، كما في أعمال رودان الذي يتحدث عن تمظهرها، مثالها (تمثال بلزاك) لاشك أن المضامين بشكلها العام التي يشتغل عليها إياد هي في محصلتها النهائية متقاربة في البحث عن مشكلات الإنسان الأساسية، عدم قدرة الفرد على فهم هذه الآلة الجبارة التي تسحقه كل يوم، أينما حل وأرتحل، أنها نفس الفلسفة التي أنطلق منها جياكومتي قبل عدة عقود، بعد أهوال الحرب، في ترقيق شخوصه للوصول إلى حالة الكشف عن المعاناة، المعاناة الداخلية التي تسحق الإنسان من الداخل، وليس له إلا الاستكانة لعدم قدرته على فعل شئ ما، حتي يتحول الكائن البشري إلى شبح انه بحث ضمن الحقيقة وليس في حل مشكلة الحقيقة، كما في أعمال رضا حداد وإسماعيل الترك وآخرين .
الاسم: بنائية الأعمال عند النحات إياد، تستقي مرجعياتها من عدة مراجع بإبعادها المحلية والعالمية، ولكنه يصوغ خطابه عبر محاولته فهم ذاته، ووجودها وكيفية فهمه لهذه الذات والتعبير عنها، من دون أن تنفلت خارج واقعها ولتجد أرضية تقف عليها، أن الطريق طويل أمام شاب مثل النحات إياد حامد، والزاد قليل، لتحديد أبعاد الرؤيا لديه، ولكن هذا ليمنع أن نقول، إذا استمر علي هذا النهج في البحث والاستقصاء، فانه سيصل ويحقق ما يصبو إليه ، إما إذا أخذه الهوس بتحقيق النجاحات الآنية، بعدم الاستمرار في البحث والتقصي، ورفد ما يملكه من خزين معرفي، فسوف يقع في نفس ما وقع فيه الكثيرون، النسخ والإعادة والتكرار.





الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

مسرحية مواطن اسمه ه ...التوه في المحنة.


 
مسرحية مواطن اسمه ه ... التوه في المحنة.
-                      مؤيد داود البصام
       عرضت مسرحية المواطن(ه)، تأليف الكاتب حسين نشوان، في أكثر من عرض على المسارح الأردنية، وقدمت أخيرا في مهرجان( عشيات طقوس المسرحية الثالثة، دورة مؤاب)، من أخراج محمد الضمور، وبنفس الكادر من الممثلين الذين قدموا عروضها السابقة، إلا أن المخرج طور الإبعاد التقنية في مسرحيته في الديكور والسينوغرافيا، مما يعني استفادته من الدراسات النقدية التي ظهرت في الصحف أو إثناء مناقشة العمل في الندوة التي أقيمت على هامش مهرجان المسرح الأردني السابع عشر، وهذه نقطة تسجل له، في اهتمامه بالنقد وما يعني الاهتمام بالرأي الآخر، الذي يعني التطلع للتطور والرقي، والتخلص من الأنا والنرجسية، التي تؤدي بالمبدع إلى الفراغ الفكري والإبداعي.
التأليف والإخراج....
       المسرحية لم تنشر كمطبوع،  مما يعني أننا إزاء عمل لا نعرف فيما أذا قام المخرج بوضع رؤاه في النص أو التزم بما جاء في النص، لكن ما أكده المخرج في النقاش، الذي دار في ندوة مهرجان (عشيات طقوس المسرحية الثالثة)، بان بعض التغييرات في المشاهد فرضت نفسها إثناء العمل، أي أنه ألتزم بالهيكل وتلاعب في الجدران، ووضع رؤيته الى جانب رؤية الكاتب، أو حسب فهمه للنص،  مما يجعلنا نناقش العمل دون إن نعطي رأيا، في البنائية التي اختارها المؤلف، لان المسرحية بشكلها التي عرضت كانت عبارة عن مجموعة مشاهد أو محطات يجمع بينها وحدة الموضوع، ولكنها تصنف بصورة عامة ضمن مسرح الفرجة العربية الساخرة، أقام النص رؤاه على مجموعة حيثيات تخص حياة وواقع المواطن العربي عموما،ولم يخصص، لأنه لم يحدد مكانا لما يحدث وتركه مفتوحا ً ، ولكنه حدد الزمن بان جعله واقعنا اليومي الذي نعيش الآن .
      تستند مسرحية مواطن أسمه ( ه). إلى كشف حال المواطن العربي وبالذات المواطنين من الطبقات الفقيرة، وهم الذين يشكلون الشريحة الأكبر في مجتمعاتنا العربية، وتستل حياة مواطن منذ لحظة الولادة إلى صيرورته، عندما يدرك إبعاد وجوده الكوني، وكيف ينشأ على أسس تربوية خاطئة في البيت والمدرسة والشارع، وكيف يتعرض للاضطهاد والتهميش عندما يكبر وينضج، عندها تبدأ الأسئلة تأخذ طريقها في مجمل تفكيره، واستطاع الكاتب حسين نشوان من جمع معظم القضايا التي تهم المواطن والجماهير العربية وتساؤلاتها التي ليس لها مجيب، من خلال تساؤلات المواطن ( ها ) في حديثه عن حقوقه كمواطن، في حق إبداء الرأي في مصيره، وحقه في انتخاب ممثليه، وعن حقوق الإنسان والشرائع الدولية، وكيف ينظر الجيل الجديد للهزائم التي منيت بها الأمة والمهزومين من هذه الأمة، وعلى رأس هذه الهزائم ما حدث في القضية الفلسطينية، ويسخر من الكذب الذي تمارسه القوى الاستعمارية قي دعواتها، بكذبة الديمقراطية وحقوق المرأة وحقوق الإنسان، التي تضعها في أفواه البعض لترويج بضاعتها، وهي التي أنشئت وجودها على القتل والدمار والاستغلال والاحتكار، واستعمار الشعوب، وأسست لحكومات تتبنى تكميم الأفواه، وتربية المواطن بعدم التدخل في الشؤون التي  تهم شؤونه الحياتية وحريته، ولكن الكاتب أراد إن يغير الطابع السوداوي الذي ناقشه النص، بان غير تجاه المسرحية بحلم جعل الجيل الجديد يحمل لواء التغيير والحرية، عندما أنطلق  مواطنه والفرقة المسرحية يرددون في نهاية المسرحية، قصيدة الشاعر الراحل محمود درويش ( أيها المارون بين الكلمات العابرة / أحملوا أسمائكم وانصرفوا / واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا.. الخ)، وهو ما يتوافق مع ما أتخذه المخرج بانتهاج اسلوب الفرجة، وسنأتي على ذلك لاحقا ً .
المعالجة الإخراجية...
       وظف المخرج الرؤيا الإخراجية بروح معاصرة،  ولكنه اتخذ من أسلوب الحك واتي التي جاءت من الفرجة المسرحية العربية القديمة، وكما يعرفها د. أبو الحسن سلام، في دراسته سيميولوجية العرض، ( مفهوم الفرجة: الفرجة من الانفراج، وهي نقيض الكبت ونقيض التأزم، والفرجة هي الخلوص من الشدة )، وهو ما اشتغل عليه المخرج لنص يحمل كل أنواع الأزمات والكبت، فحرك العمل لنقل المشاهدين ( من حالة شعورية إلى حالة شعورية أخرى )، لنقل الفكرة التي خاطب بها المؤلف عبر نصه المتلقي، بنفس عناصر الواقع التي تتماشى وعقلية ورغبات المشاهد، ابتدأت المسرحية لفرقة مسرحية تريد تقديم عملا، فتتفق على اختيار موضوعها حياة مواطن رمزت له بحرف (ها)، رمزا ً لعمومية الفكرة لتتحدث عن حياة عمومية لأي مواطن، ممكن أن يكون في أي مكان، ملغيا بهذا تحديد المكان، وانطلق تمثيل الفرقة بما يشبه حلقات المدائح الصوفية، لكل مشهد حقائقه، وأغانيه ورقصاته، وهي إحدى عناصر الفرجة،  في عملية تتابع للحكايات لتترابط الحلقات المنفصلة على أسلوب التضمين في قصص إلف ليلة وليلة، حكاية تتبع حكاية، وحتى يظهر المخرج مدى الخنوع والإذلال الذي يعيشه المواطن بشكل عام، وظف الطفلة، التي مثلتها ( بتول الضمور) وقدمت عرضا ً بعفوية وقدرة إبداعية، وكأنها مدركة لخطورة دورها، الذي رمز للتلاعب بالإنسان بأيدي الجهلة، وجعل الكنترول علامة على اللعبة الشطرنجية في التحكم بمصائر العباد، يتحركون كدمى بحركة الرمودكونترول، واشغل الحيز الخلفي لما بعد الستارة بحركة الدمى المصاحبة لرقص وغناء الفرقة، وذلك باستحداثه  الجدار الرابع الذي أوجدته الستارة الخلفية، وسمح للممثلين باستخدام الحركات والإيماءات والرموز بالكلمة والحركة، ضمن إيقاع الحس الشعبي الذي يشكل بنائية الفرجة الشعبية، وقد حافظ المخرج في العروض التي قدمها على المسرح الدائري أو على المسرح الرئيسي ذو المساحة الواسعة، على طقس الفرجة أو ما يشبه حلقات الذكر الصوفية، مما جعل بؤرة العمل في الحركة المركزية لوسط المسرح، ولم يشتت حركة ممثليه بالدخول والخروج، ولكونه اشتغل على فكرة الفرجة الشعبية، حافظ  على المنظور المكاني للفرجة، بالرغم من عرضه ضمن مسرح العلبة الايطالية، فقد حاول بحركة الممثلين الدائرية من إيجاد هذا التوازن، الذي يلغي إلى حدا ما، الموقعين بين العرض والمشاهد، من حيث جغرافية المكان، ووصل بعرضه إلى حد ما في المسرح الرئيسي إلى إسقاط الحاجز المكاني، بخلاف عرضه على المسرح الدائري، كان أكثر توافقا ً مع السياق بإحاطة الجمهور للفرقة، مما يحقق احد العناصر المهمة في الفرجة، هو الرؤية البصرية التي يفرضها موقع المتلقي، وهو ما يفرض على الفرقة الحركة الدائرية، لتكون الرؤية البصرية لكافة الإطراف والاتجاهات بنفس الابعاد، وهذا ما جعله يحرك المجاميع في نهاية المسرحية، لإيجاد التلاحم وإيصال الخطاب بين المرسل والرسالة والمرسل له، عندما جعل الممثلون يدخلون القاعة بين الجمهور وهم ينشدون قصيدة محمود درويش، وحقق المواجهة التفاعلية بين المشهد المعروض وجمهوره، وكثف من اللوحات الراقصة والممزوجة بالغناء على إيقاعات تتواشج مع كل فكرة طرحها النص، وظل مسيطرا ً على التوازن العام للكتلة في حركة الممثلين وتقديم المشاهد الراقصة والغنائية، لإيجاد المناخ المشابه للفرجة التي تقام عادة في فضاء مفتوح، ساحة عامة أو باحة بيت واسعة أو حديقة عامة، ومن اجل إبراز فكرة النص بانعدام حقوق المواطن في ظل الحكومات التي تحكمه، كان وجود الطفلة وهي تدير المجاميع في حركتهم وتوقفهم عبر جهاز الكنترول، أثره الواضح في فهم المخرج لإبعاد النص وفهمه للواقع السياسي.
السينوغرافيا وبقية المكملات للعرض المسرحي ..
       من أهم عناصر الفرجة، وجود الفرقة الموسيقية الحية مع المغنين والراقصين، وياتي بعد ذلك بقية العناصر المكملة للفرجة المسرحية، من شموع وبخور وأصوات مصاحبة، وقد حققت معظمها تقريبا ومن أجل استكمال إيصال الخطاب، رسمت خريطة الوطن العربي وفلسطين في وسط خشبة المسرح، وجعل الممثل الرئيسي المواطن ها ، الذي مثله الفنان زيد خليل، يتفاعل مع المعروض، عندما أخذ وضع الانبطاح حاضنا الخريطة، وهكذا جاءت الملابس والاكسسوارات مع الديكور ببساطتهم ما يمثل عروض الفرجة، كما أن الاصوات الغنائية التي قدمها يوسف كيوان وعبد الله كيوان اضفت لمسة أبداعية، افرجت عن حالة الاحتقان للمتلقين وهم امام مآسيهم ، وحلت روح الفرجة من حالة الاحباط الى حالة التفريغ عبر الغناء واللمحه، والنقطة المهمة التي عالجها المخرج في تكييف السينوغرافيا بوجود الجدار الوسطي الذي عزل الدمى وهي ترقص مع الراقصين، في لقطة تعبيرية ، لاشك ان علاقة الفهم والتفاهم بين المخرج والكادر المسرحي وبالاخص ، منفذ الديكور والاكسسوار خليل ابو حلتم، أصل الكثير من الخطاب الذي اشتغل عليه الاخراج لاظهار النص بما قدم عليه،