الأحد، 30 أغسطس 2015

مجلة امضاء والرقيم.





نشرت جريدة الزمان الدولية مفال مجلة امضاء والرقيم.- 

مؤيد داود البصام


  • دأبت الكثير من حكومات العالم الثالث في حقبة تصاعد المد اليساري والاشتراكي على القيام بدور نشر الثقافة بمختلف أنساقها، وبالذات النشرات الدورية والمجلات المتخصصة والجرائد والكتب، واعتبرت هذا العمل جزء من واجبها لتنمية وبناء الإنسان الفكري، وتطوير المجتمع، وأيضا دعاية أيديولوجية لفكرها وترويجه، بالأخص الحكومات ذات الإيديولوجية والحزب الواحد، على غرار الاتحاد السوفييتي الذي كان يرعى جميع الأنشطة الثقافية، بخلاف ما موجود في العالم الراسمالي، الذي يترك العملية للمقايضة بين البائع والشاري، ويعتبر الاداب والفنون سلعة لها قيمتها في السوق، إلا أن هذه المسألة في الدول ذات الانظمة الايديولجية وحكومة الحزب الواح، بقدر ما قدمت من خدمات عظيمة للثقافة، كانت تحمل مخاطرها التي ظهرت بعد ذلك، ولعل تجربة العراق ابتداء من صدور قانون المطبوعات عام 1969، ولغاية الاحتلال الأمريكي والغربي للعراق، الذي استلمت وزارة الثقافة البناء الثقافي للمجتمع على عاتقها، من خلال مسؤوليتها في طباعة وإصدار ودفع الأموال لنشر الكتب والمجلات، وكانت أكثر الكتب توزع مجانا، وبكميات كبيرة، مما حدا بالقراء وطبقة الأدباء إلى التعويل على ما يصلهم من كتب مجانا واهداءت المؤلفين، وتدريجيا بدأت تضعف روح البحث لشراء كتاب ظهر حديثا لمؤلف عراقي، وبات الانتظار لوصول الكتاب هدية أو الحصول عليه من إحدى الدوائر الرسمية بمنتهى السهولة هو المعول عليه، وكانت هذه المسألة من أخطر القضايا التي أصابت حالة الكساد للكتاب العراقي، وبعد احتلال العراق وضعف إمكانيات وزارة الثقافة، وهو ما سعت له الدوائر التي أوجدها الاحتلال، بدأت حقبة جديدة أمام الكتاب وكل مفاصل الثقافة العراقية، وتركت الثقافة عائمة ماديا، بعد أن كانت تستند بكامل قواها على الدولة، وهو ما أحدث إرباكا بين تولي وزارة الثقافة كل ما يهم النشر وبين التخلي كليا، وفي بداية الاحتلال قام مكتب المساعدات الأمريكية في الدفع لمن يصدر جريدة أو مجلة، ولكن هذا الدعم أيضا توقف بعد ذلك، مما أجبر الكتاب للبحث عن منافذ، يستطيعون من خلالها نشر إنتاجهم، وكانت هذه المسالة غاية في الصعوبة، وظهرت خلال الفترة من2003 إلى 2010 العديد من المجلات وهذا موضوع بحثنا، وكانت منها مجلات رصينة، إلا أنها لم تقاوم، لضعف الإمكانيات المادية وعزوف القارئ العراقي عن الشراء، وهو ما حدي بها إلى التوقف بعد إعداد بسيطة بعضها توقفت بعد العدد الأول، وعندما ظهرت مجلة إمضاءات، وعمل لها بعد صدور العدد الأول جلسة تقييم في قاعة اتحاد أدباء العراق، قلنا يجب على طاقمها إن يفكر بمسالة الاستمرار، فقد حدث وصدر في العراق بالذات مجلات لم تتولى الدولة تمويلها، إنما كانت تمويلا ً ذاتيا ً لشخص أو أشخاص، ولكنها سرعان ما توقفت بعد إعداد بسيطة، وبعض الأحيان بعد عدد واحد، لان المسالة المالية هي التي تحدد استمرار المطبوع حتى يثبت وجوده، فيمول نفسه بنفسه وقد يحقق إرباحا ً، (على الرغم من أن هذه المسالة ميئس منها تقريبا في العراق والمنطقة )، ولنا مثالا على ذلك مجلة الآداب اللبنانية العريقة، فقد توقفت لأسباب مالية مع تاريخها الممتد لعقود، ولكن مجلة إمضاءات استمرت بالصدور بالجهد التعاوني بين الممول وطاقم التحرير، وأثبتت وجودها في المقالات والدراسات الجادة والموضوعية، وما تقدمه من مادة دسمة، غطت حقل السرد والدراسات السردية، واستطاعت أن تثبت وجودها في السوق الثقافية، كمجلة متخصصة بالدراسات السردية، وقد استطاعت أن تستقطب كتابا مهمين في الساحة الثقافية العراقية، على الرغم من ضعف التوزيع الذي تعاني منه، ثم تلتها مجلة الرقيم التي تصدر من محافظة كربلاء، وأيضا بجهد مالي فردي تقريبا، إلا إن منجزها الفكري بدء منذ العدد الأول يزاحم المجلات العريقة، ومما يميز مجلة الرقيم، هو نظرتها للإبداع على أساس الموقف الإنساني وليس الفئوي والقطري، ولهذا نجد أسماء عربية من كل الأقطار العربية، وهذه نظرة إلى جانب كونها تحقق مهمة دور الأدب والفن كونهما ثقافة إنسانية، لا يختصان بمنطقة أو فئة بشرية، فهي تبني خطابا جماليا رائعا على الانفتاح لتلاقح الأفكار، وسيادة العقل والإبداع على التقوقع ومديح الذات، ومن يطلع على الموضوعات المنشورة في مجلة الرقيم، يدرك الجهد الفكري في تنظيم خطابها النقدي، وتبقى المسالة والتي نرجو إن لا تحدث كما حدثت مع مجلات سابقة، هو نضوب القدرة المالية والتوقف، أن تتدارك المؤسسات الثقافية وبالذات وزارة الثقافة، لإيجاد صيغة لمساعدة هذه المبادرات الرائعة، وهذا الجهد الذي يحسب له رفع الغبن عن الإبداع العراقي ليأخذ مكانته بسبب قلة أماكن النشر، فهناك عشرات الكتابات الإبداعية مركونة على الرفوف ليس لها مجالا للظهور.

السبت، 29 أغسطس 2015

الفنان شداد عبد القهار..روح متجددة وعالم من البهاء





الفنان شداد عبد القهار..روح متجددة وعالم من البهاء
-        مؤيد داود البصام

         يشكل الفنان شداد عبد القهار، أحد الأرقام الصعبة في معادلة الفن العراقي والعربي، فهو لا يمثل النهج الذي يتكيء على الموروث والحفريات التاريخية لإضافة ما يوحي بالانتماء إلى اللوحة، لتبرير وجوده المحلي، ولكنه يشتغل ضمن إطار معرفي مدرك لأبعاد ما يقدمه، ومقدار هضمه للموروث والحفريات التاريخية السومرية والبابلية والآشورية، وإذا ما وقفنا على أعماله المتأخرة والمتقدمة، سنجد أنفسنا أمام رؤية بصرية احترافية في معرفة كيفية استنطاق الرؤى الجمالية بعناصرها في اللون والخط بعيدا ً عن مفهوم التنصيص، ويشتغل على إحالة الرقعة بأبعادها المنظورة إلى مدركات رئوية تندمج القيم الجمالية فيها مع الروحية التي تفيض بوجودها عبر تشكيلاتها الصوفية، لدى الفنان شداد بناء اللوحة يأخذ مفهومها مرتكز له عناصره التي تطرح نفسها بنسق له خصوصيته في الإبهار، وإذ تشكل بعض الأعمال مراحل متتالية ومتسلسلة في بنائية اللوحة لدى شداد، من حيث المشتركات اللونية أو الخطية، كنص تشوبه الرمزية لإخفاء الوجه الذي يحاوره عن مجموع المشكلات الإنسانية التي تشغله شخصياً، كونه جزء من مجتمع يعاني الكثير، إلا أنها لا تخرج عن نطاق البحث الدائب الذي يتواصل به الفنان شداد عبد القهار مع ظهر اللوحة بما يملكه من خزين معرفي وتجربة متواصلة، لإيجاد هذه الرؤية البصرية التي تطرح مفاهيمه المغلفة بالرمز، إن كان ضمن أسلوب التعبيرية التجريدية، أو التجريدية التعبيرية،( قد يعترض على هذا التحديد للمنهج في أعماله، لأنه يطرح أعماله بلا منهجية محددة )، على الرغم من تأكيده المباشر على إحاطة اللوحة بالرمزية،  إن جسد المرأة في لوحاته ليس الجسد الذي تتمثل حالة تجسيد الشهوة أو البعد الجنسي، وإنما قيمة جمالية تخلق من خلاله هذه الرؤى والهواجس الروحانية، لما تعبر عنه القيمة الجمالية المتجسدة في الحركة، أو في الانثناءة أو أي تواصل مع إبراز التعابير الداخلية، للكشف عما وراء ما يطرحه الشكل بمفهومه الإنساني البحت، وهو ما يدعونا للقول إنها رؤية مختلفة، أن الروح التي يشتغل عليها تبعث مدركات سامية، يمكننا اكتشافها في لوحاته المتأخرة في مجمل بتائيتها بما تحمله من قيم جمالية ورموز ودلالات، وإبداعات لونية تحمل هذا البهاء الممتع للرؤية البصرية، ان رقعة اللوحة لديه مجال متسع للمعرفة وكشف جوانب الحياة من خلال هواجس ومعاناة الإنسان العراقي.
الجديد في معرض 2012
        كيف يمكننا النظر إلى لوحة الفنان شداد عبد القهار، وهو يحاور رؤاه البصرية الممهورة باستنتاجات بصرية في اللون والخط ، يحكم نصها أبعاد إنسانية ومدركات معرفية، ينطلق فيها لتقرير أوضاع الإنسان والحياة وواقع حياته وحياة إنسانه عبر القماش، إنه يبتكر رؤاه الأكثر إيغالا في كشف معاناة الإنسان العراقي من خلال معاناته هو شخصيا، وهذه التكيفات مرهونة بشخصية شداد ومعاناته اليومية ككائن بشري يعيش الحصار الإنساني في وطنه بأبعاده الحقيقية والمجازية، لهذا ترسخ اللون الأصفر (الاوكر) كخط شد ما بين البنفسجي والرصاصي، ليؤكد ديمومة التعلق بالفضاء العراقي، مع هذه الكتل على ظهر اللوحة والبقع والحروق وايهامات السطح وخشونته، والتأكيد على الفضاء الأملس بامتداد الفراغ الذي يؤطر لوحته، بينما يأتي بجديدة في العمل الرقعوي المستطيل والذي يمثل خلاصة أعماله وتاريخها للفترة السابقة، مع الدفاتر التي كرسها للوحات رسمها مصغرات ثم أعاد رسمها بقياسات مختلفة، إن الالتباسات التي يوقفنا عليها شداد في عمله هو تأكيده على البقع والحفر والبروزات مع خشونة السطح، وإحاطة الأطراف بالمساحة الملساء، ان الرمزية التي تقود لوحته تشي بهذه الخلاصات للتجربة التي يؤكدها الفنان كمنطلق للأبعاد الإنسانية التي يكرس عمله لها، ويسوق قيمه الجمالية لإبراز معاناته اليومية ومعاناة الجماهير من جملة الأوضاع القاسية والمحبطة للنفس، ويأتي سؤالنا هل اللون هو التعبير المشاكس في أعماله أم الخط أو النص؟ إذ ما أخذنا اعمال شداد عبد القهار بمراحل متسلسلة، فإننا لن نجد خيط ترابط، ولكن إذا حاورناه بجملة أعماله التي يقدمها في معرضه الأخير أو السابق أو الأبعد، فإننا سنكتشف هذه الرؤية المتجددة التي تحكم لوحاته، فهي في تكيفاتها الرمزية لا تبتعد عن روحية أعماله السابقة، ولكنها تمنحنا أبعاد جديدة في خلاصة تجربته لحد الآن، في كيفية التعامل بين المنهج والنص، وخروج على السابق ولكنه ضمن المنظومة،  فلا يمكن الفصل بين البناء العام للوحته في الأعمال الماضية أو الحاضرة، وتوازنها العام من حيث قدرة السيطرة على إبعاد مجموع العناصر المكونة للبناء العام للوحة،  وهو ما يجعله كشاف للترحال بين كثبان التجديد والحداثة، وإيجاد القوة الدافعة في تحريك قدرة اللوحة على الانسجام بين الرؤية البصرية المحددة بإطارها وبين المتلقي في تلقيه الصدمة والدهشة التي تحدثها، إن اللون الذي يشوبه الضبابية وكأنه عجينة طينية ملونة، والبقع المستلة من أيقونات الفنون الرافدينية، هي التي تحدد مدركات لوحة شداد والرؤية البصرية لجماليات أبعادها، ولكنني لم أشعر بالتطابق بين العنوان الذي أختاره للمعرض الأخير في قاعة حوار للفنون، وسماه ( أوهام ) وبين مجمل أعماله التي عرضها، نعم هو أراد أن يخلق لنا عنصر الدهشة والتساؤل، وركز على المعاناة الإنسانية للفرد العراقي، في حرائق بعض لوحاته، أو هذا التضاد بين السلاسة والخشونة، ولكنني لم أجد وهماً كما طرح الفكرة بين العولمة الامبريالية، وبين ما يحدث بما يسمى ( ربيع الناتو العربي).




التعبيرية التجريدية وتوليد النص... فلاح السعيدي نموذج.


التعبيرية التجريدية وتوليد النص...فلاح ألسعيدي نموذج
          -   مؤيد داود البصام
         فلاح ألسعيدي فنان حواري، ويعني هذا القول في لغة الفن التشكيلي، أنه فنان يتبع العلاقات ويؤلف بين العناصر بروح السرد، ليبني تكوينه الذي يتبع أصل النص الذي يحاول إيصاله لنا، أعماله الواقعية التي قدمها في معارض سابقة، تتبع السلسلة التي اتبعها في أعماله المتأخرة الحداثوية، فهو يعيد تركيب الأشكال من واقعيتها إلى فنتازيات الرؤيا، حلم متناسق يطارد التشخيص، إن كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا، إنه لا يرسم ضمن منهج التجريد، لان التجريد لا شعوري، وفلاح ألسعيدي فنان حواري، يعبر من خلال لوحته عن مشاعر متلاطمة، وأحاسيس بمدركات واعية، يبحث عن متنفس ليبث مشكلاته الإنسانية التي تلازمه وتقلق حياته وحياة الآخرين، ولهذا يلجأ إلى  التسطيح وليس التجريد، والدمج وليس إلى التفكيك،  ومن هذا الباب سنتحدث عن بنائية اللوحة، كلوحة نصية توليدية، تعتمد في إبراز قيمها الجمالية على عناصر الكتلة اللونية ومحددات الخط ضمن اطر موسيقية تعبيرية ، تستند إلى خلق حركة ذاتية في داخل اللوحة، وكأنها بناء متحرك، ليعبر بها عن تصميم مسبق لإظهار النص المختفي وراء الرموز والدلالات التي يبثها في الأشكال داخل الكتلة.
        الفنان فلاح ألسعيدي يسعى إلى  بناء لوحة توليدية تتجمع  العناصر فيها بوحدة نسق، وتكملها علاقات تشد هذه العناصر، لإبراز مفردة واحدة هو القيم الجمالية المنبثقة عن هذا التوليف ومدى تأثيرها المباشر على المتلقي، مسقطا روح النص إلى ما وراء الأشياء، التي تظهر لنا ولا توضح كحقائق مرئية، يتركز بناء اللوحة لديه على اللون بتدريجاته وتقاطعه في موسيقية تترتب ضمن حدود الخطوط التي تشكل مع اللون هذا التناغم،  وكثيرا ما يجعل اللون نقيا، معتمدا ً على فطرية الحواس، والتفاعل الوجداني الداخلي للمتلقي أمام لوحته، وهو ما يجعله ينمي العلاقة ما بين اللوحة والمتلقي بصورة تفاعلية محركا " المعادل الموضوعي " ليكون البديل عن أي رؤية مسبقة مرسخة في الذاكرة، إنما رؤية تصوغ نفسها آنيا ً لعالم البراءة والجمال، كيف يحدث هذا ؟ انه السؤال الذي نواجه به أنفسنا أمام لوحة فلاح ألسعيدي، ما هو الإيحاء الذي يسوقه ؟، إننا لا ندرك ما نريد معرفته إلا من خلال نص نحن نجترحه في اللحظة والتو عندما نقف أمام اللوحة، وتسطُرُ مخيلتنا دلائل تأويلها، الخيل تطارد الريح وأشجار تندفع للأمام، انه الفن التعبيري المتجرد من فرض النص كهيئة قائمة بنفسها ، فهو ماهر في إتقان الجانب التقني لهذا الأسلوب ويطوعه حسب هذا الإدراك المتسامي، بالشغف الذي يحتويه وبالموسيقى التي تتنامى مع اللون، وكأنك إمام شلال يتدفق وأنت أسفل منه، عالم زاخر بالألوان والخطوط الموموسقة.
بين الجديد والقديم ... تكتمل اللوحة.
        عندما نعود لأعمال الفنان فلاح ألسعيدي القديمة، سيضعنا في اكتشاف هذا التداخل بين القديم والجديد من أعماله، وكأنه يعيد علينا ما سبق إن رواه لنا ولكن بطريقة وأسلوب آخر، ليصل إلى ما يريد  معرفته، وهو مدى التأثر والانفعال الشعوري المصاحب للرؤية والتأويل، الإنسان والجماد والأشجار وكل موجودات الحياة، مصورات لا تتوقف أو تستقيم، حتى لو أخذنا لوحة المرأة التي تحمل طفلها، هي في حركة وتقدم للأمام، إن كان حملها يعبر عن مأساة تضعها أمامنا أو قضية أخرى، إلا أن في وجودها حركة ومسير، كل الأشياء تندفع إلى الأمام ، وهكذا نجد معظم لوحاته، التي هي سفر تكوين المعنى بين الرائي والمرئي، يخلق الاحتكاك للوصول إلى بناء المؤثر الشعوري المستخلص من النص إضافة إلى جمالية الشكل، عبر موسيقى الخط واللون وتقاطعهما، لبناء الوحدة المنسجمة، والتي تؤدي دور المركز، لبناء  ليس فيه مركز، إنما الكتلة جميعها تعبر بشكل وآخر عن المركز المتضخم.
الرؤية الجمالية ، لما وراء الأشياء.
          يحاول الفنان فلاح ألسعيدي السعي إلى التأليف الجمالي البصري بإعادة الصياغة التأويلية للنص إلى ذاته، باشتغاله على هذه الحزمة من الرموز والدلالات، التي تعج بها اللوحة، دامجا بتقنية عالية الجانب الفكري والجانب التقني، قد توحي للرائي انه بناء عشوائي خالي القصدية، ولكن عندما ندقق النظر يتوضح لنا هذا البناء القائم على تقنية عالية وتحكم في اللون وهو ما تقوم عليه اشتغالا ته السابقة والحالية، لترسيخ العلاقة بين اللون بكثافته وكتلويته وبين الخطوط بموسقتها وحركتها الرشيقة، حتى لنخالها أعمال نحتية أكثر منها رسوم على قماش، الكتلة تبرز ومن خلفها السطح المغاير،  فهو يتقن الإنشاء، فلوحته متقنة الإنشاء بموازنة عامة بين الكتلة والفراغ، الذي يسعى بجعل الفراغ مساحات لونية ذات مديات متسعة في أطراف اللوحة، ويبقي للحركة المستدامة المتمثلة بالكتلة التي تأخذ مساحتها في وسط اللوحة، جر الرؤية البصرية والتركيز على ما تحمله الكتلة من رؤيا، وهذا الانفصال للكتلة عن الفراغ يبرز عمق الحركة التي يسعى لكشفها بأوسع مديتها.
        كما سبق وان قلنا إن أعماله الواقعية تعود إلينا بتقنية حديثة، واستكمالا لرؤاه الأولى، ولكن بتسطيح اللوحة واغتناء اللون، وذلك ببعثرة التصميم الهندسي للشكل، وتكسيره على الطريقة التكعيبية مع محافظته على النص، إي انه لم يخرج عن البناء الأكاديمي العام، ولكن أوجد بؤر لونية مقطعة، خلقت سطوعا بصريا بديلا عن الانبهار الذي يحدث في الرؤية الواقعية للتشخيص، انه يخلق مساحات للفضاء الداخلي للوحته باللون وتقطيعه، وإعادة صياغة البناء للفضاء، بالمساحة اللونية، إنه يعطي لما تحدثه اللوحة من تعبير آني، أهمية قصوى، لهذا يؤكد على الحركة الداخلية للتشخيص داخل الكتلة، وتبقى لوحة فلاح ألسعيدي لوحة مفعمة بالحركة، وقوة إدراك جمالية الخط وموسيقى الألوان.




الفنان شداد عبد القهار.. روح متجددة وعالم من البهاء.

الفنان شداد عبد القهار..روح متجددة وعالم من البهاء
-        مؤيد داود البصام

         يشكل الفنان شداد عبد القهار، أحد الأرقام الصعبة في معادلة الفن العراقي والعربي، فهو لا يمثل النهج الذي يتكيء على الموروث والحفريات التاريخية لإضافة ما يوحي بالانتماء إلى اللوحة، لتبرير وجوده المحلي، ولكنه يشتغل ضمن إطار معرفي مدرك لأبعاد ما يقدمه، ومقدار هضمه للموروث والحفريات التاريخية السومرية والبابلية والآشورية، وإذا ما وقفنا على أعماله المتأخرة والمتقدمة، سنجد أنفسنا أمام رؤية بصرية احترافية في معرفة كيفية استنطاق الرؤى الجمالية بعناصرها في اللون والخط بعيدا ً عن مفهوم التنصيص، ويشتغل على إحالة الرقعة بأبعادها المنظورة إلى مدركات رئوية تندمج القيم الجمالية فيها مع الروحية التي تفيض بوجودها عبر تشكيلاتها الصوفية، لدى الفنان شداد بناء اللوحة يأخذ مفهومها مرتكز له عناصره التي تطرح نفسها بنسق له خصوصيته في الإبهار، وإذ تشكل بعض الأعمال مراحل متتالية ومتسلسلة في بنائية اللوحة لدى شداد، من حيث المشتركات اللونية أو الخطية، كنص تشوبه الرمزية لإخفاء الوجه الذي يحاوره عن مجموع المشكلات الإنسانية التي تشغله شخصياً، كونه جزء من مجتمع يعاني الكثير، إلا أنها لا تخرج عن نطاق البحث الدائب الذي يتواصل به الفنان شداد عبد القهار مع ظهر اللوحة بما يملكه من خزين معرفي وتجربة متواصلة، لإيجاد هذه الرؤية البصرية التي تطرح مفاهيمه المغلفة بالرمز، إن كان ضمن أسلوب التعبيرية التجريدية، أو التجريدية التعبيرية،( قد يعترض على هذا التحديد للمنهج في أعماله، لأنه يطرح أعماله بلا منهجية محددة )، على الرغم من تأكيده المباشر على إحاطة اللوحة بالرمزية،  إن جسد المرأة في لوحاته ليس الجسد الذي تتمثل حالة تجسيد الشهوة أو البعد الجنسي، وإنما قيمة جمالية تخلق من خلاله هذه الرؤى والهواجس الروحانية، لما تعبر عنه القيمة الجمالية المتجسدة في الحركة، أو في الانثناءة أو أي تواصل مع إبراز التعابير الداخلية، للكشف عما وراء ما يطرحه الشكل بمفهومه الإنساني البحت، وهو ما يدعونا للقول إنها رؤية مختلفة، أن الروح التي يشتغل عليها تبعث مدركات سامية، يمكننا اكتشافها في لوحاته المتأخرة في مجمل بتائيتها بما تحمله من قيم جمالية ورموز ودلالات، وإبداعات لونية تحمل هذا البهاء الممتع للرؤية البصرية، ان رقعة اللوحة لديه مجال متسع للمعرفة وكشف جوانب الحياة من خلال هواجس ومعاناة الإنسان العراقي.
الجديد في معرض 2012
        كيف يمكننا النظر إلى لوحة الفنان شداد عبد القهار، وهو يحاور رؤاه البصرية الممهورة باستنتاجات بصرية في اللون والخط ، يحكم نصها أبعاد إنسانية ومدركات معرفية، ينطلق فيها لتقرير أوضاع الإنسان والحياة وواقع حياته وحياة إنسانه عبر القماش، إنه يبتكر رؤاه الأكثر إيغالا في كشف معاناة الإنسان العراقي من خلال معاناته هو شخصيا، وهذه التكيفات مرهونة بشخصية شداد ومعاناته اليومية ككائن بشري يعيش الحصار الإنساني في وطنه بأبعاده الحقيقية والمجازية، لهذا ترسخ اللون الأصفر (الاوكر) كخط شد ما بين البنفسجي والرصاصي، ليؤكد ديمومة التعلق بالفضاء العراقي، مع هذه الكتل على ظهر اللوحة والبقع والحروق وايهامات السطح وخشونته، والتأكيد على الفضاء الأملس بامتداد الفراغ الذي يؤطر لوحته، بينما يأتي بجديدة في العمل الرقعوي المستطيل والذي يمثل خلاصة أعماله وتاريخها للفترة السابقة، مع الدفاتر التي كرسها للوحات رسمها مصغرات ثم أعاد رسمها بقياسات مختلفة، إن الالتباسات التي يوقفنا عليها شداد في عمله هو تأكيده على البقع والحفر والبروزات مع خشونة السطح، وإحاطة الأطراف بالمساحة الملساء، ان الرمزية التي تقود لوحته تشي بهذه الخلاصات للتجربة التي يؤكدها الفنان كمنطلق للأبعاد الإنسانية التي يكرس عمله لها، ويسوق قيمه الجمالية لإبراز معاناته اليومية ومعاناة الجماهير من جملة الأوضاع القاسية والمحبطة للنفس، ويأتي سؤالنا هل اللون هو التعبير المشاكس في أعماله أم الخط أو النص؟ إذ ما أخذنا اعمال شداد عبد القهار بمراحل متسلسلة، فإننا لن نجد خيط ترابط، ولكن إذا حاورناه بجملة أعماله التي يقدمها في معرضه الأخير أو السابق أو الأبعد، فإننا سنكتشف هذه الرؤية المتجددة التي تحكم لوحاته، فهي في تكيفاتها الرمزية لا تبتعد عن روحية أعماله السابقة، ولكنها تمنحنا أبعاد جديدة في خلاصة تجربته لحد الآن، في كيفية التعامل بين المنهج والنص، وخروج على السابق ولكنه ضمن المنظومة،  فلا يمكن الفصل بين البناء العام للوحته في الأعمال الماضية أو الحاضرة، وتوازنها العام من حيث قدرة السيطرة على إبعاد مجموع العناصر المكونة للبناء العام للوحة،  وهو ما يجعله كشاف للترحال بين كثبان التجديد والحداثة، وإيجاد القوة الدافعة في تحريك قدرة اللوحة على الانسجام بين الرؤية البصرية المحددة بإطارها وبين المتلقي في تلقيه الصدمة والدهشة التي تحدثها، إن اللون الذي يشوبه الضبابية وكأنه عجينة طينية ملونة، والبقع المستلة من أيقونات الفنون الرافدينية، هي التي تحدد مدركات لوحة شداد والرؤية البصرية لجماليات أبعادها، ولكنني لم أشعر بالتطابق بين العنوان الذي أختاره للمعرض الأخير في قاعة حوار للفنون، وسماه ( أوهام ) وبين مجمل أعماله التي عرضها، نعم هو أراد أن يخلق لنا عنصر الدهشة والتساؤل، وركز على المعاناة الإنسانية للفرد العراقي، في حرائق بعض لوحاته، أو هذا التضاد بين السلاسة والخشونة، ولكنني لم أجد وهماً كما طرح الفكرة بين العولمة الامبريالية، وبين ما يحدث بما يسمى ( ربيع الناتو العربي).





الجمعة، 28 أغسطس 2015

عودة الذات لاستذكار البراءة ...






عودة الذات لاستذكار البراءة...
-        مؤيد داود البصام
        إقام الفنانان يسرى ألعبادي وستار درويش معرضهما الأخير في قاعة الأندى في العاصمة الأردنية عمان باسم ( شبابيك الذاكرة )، وقد سبق لهما ان أقاما عدة معارض شخصية ومشتركة في العراق وخارج العراق، وللوهلة الأولى يشعر المتلقي انه يلج معرضا لفنان واحد فقط، ولكن عندما يدقق النظر يشعر الفرق فيما قدمته الفنانة يسرى ألعبادي وما قدمه الفنان ستار درويش، نعم اقتربا من الرؤيا ولكن افترقا في التنفيذ، في هذا المعرض عالم من فنتازيات الطفولة والعفوية وروح البراءة، فما زال عالم البراءة والطفولة يحمل الكثير من الأسرار التي تثير الدهشة والتأمل وروح العفوية، منذ حاول الفنان خوان ميرو نقل أحلام الطفولة، ورؤاه الحلمية على ظهر اللوحة، من اجل إطلاقها وبعث الفرح الطفولي من الأعماق السحيقة التي تكدست عليها إثقال الحياة عبر الزمان المعاش، وهو ما جعل الكثير من الفنانين يحلمون الوصول الى هذه اللحظة وتجلياتها، ففيها هذا المحمول للقيم الجمالية التي تأسر العقل وتشحذ الوجدان، ففي مرحلة الطفولة تخيلات يحاول فيها الطفل جر الانتباه له، وهي أفعال أو لغة يصعب التفكير فيها أو قراءة انتمائها لانها تمثل لحظة الدهشة واكتشاف العالم، لهذا فهي تشكل للراشد أحلام تعبر في خاطرة الإنسان فتثير شجونا كانت كامنة، تتحرك من الأعماق لترتفع لحظة احتدام ثقل الحياة والواقع، ولعل عنوان معرض الفنانين ، يحيلنا الى هذه الأبعاد، كم من الذكريات محجوزة في جوف غرفة الذاكرة في أعماق العقل البشري، يتسع جمالها لتغيير رؤية الحياة بغير ما هي عليه، وفي معرضهما الأخير لا يطلقانها بكمها المتراكم، إنما يفتحان لها شبابيك للمرور، وتنساب عبر اللون والخط، لإغداق هذا الوجود المحتدم بالصراعات والمشاكل والهموم اليومية لواقع الحياة العصرية بكل ما يحمله من ثقل، ببهجة الفرحة العفوية بما تحمله الالوان والخطوط والاشكال، ويحرك جزء من السرور والدهشة التي تمثلها براءة الطفولة.
يسرى ألعبادي...والفضاء المفتوح

          اشتغلت الفنانة يسرى ألعبادي، على فضاء اللوحة الذي احتوى التشخيص والمنمنمات لإشكالها المتنوعة من إزهار وحيوانات وإشكال زخرفيه مختلفة، وحركت في فضاء اللوحة، بما قدمت شخوصها ورموزها الطفولية مع مفردات من الأشياء بصور الجمادات أو الأوراد أو مجموعة المنمنمات التي استقتها من المخزون الصوري الشعبي، إشكال تحلق في الهواء بصورة هلامية، لا قاعدة أو ارض لها سوى تحقيق هذا البعد التعبيري، للتحرر من مثقلات الحياة، باستخدام التبسيط والاختزال والفنتازيات، وكما في إعمالها السابقة كان للتشخيص الطفولي بحركاتهم، الطابع الغالب على إعمالها وأن افترقت إعمالها في هذا المعرض عن معارضها السابق بحجم اللوحة، ذات المساحات الكبيرة الى اللوحات بإحجام صغيرة في هذا المعرض، اشتغلت على الألوان المبهجة والألوان الحارة، وعلى الرغم من وجود اعمال بخلفية ألوان باردة، إلا ان الطابع العام للإكسسوارات كان بألوان مبهجة وحارة، وهو ما أسست له بهذا المزج بين اللون الواحد وإدخال لون رديف يكسر رتابة اللون الواحد في خلفية اللوحة، وظل مسارها الحلم بإشكال الفنتازيات التي تلاعبت فيها نحو تحريك الرؤية التعبيرية، بين البساطة في النص وامتلاء اللوحة بدسامة اللون، لقد كانت كما في معارضها السابقة تبرهن عن قدراتها في استخدام اللون وإبراز قيمه للرؤية البصرية، ومما يجعل لوحتها بإبعادها الجمالية، ذات قيم جمالية ونصية، وقد وضعت الرؤية البصرية بكثافة الزخرفة لتحريك الجو العام للوحة، باختيارات المنمنمات والإشكال الفلكلورية من وقائع الحياة الشعبية، في منحى لتأكيد الفطرية والعفوية، كما نجدها في رسومات الأطفال، وبخلفية ما يشبه (الأزر ) البسط الشعبية التي تنسجها أيدي فطرية، ولكنها رسومات تتشكل بتكوينات جمالية، فمن يمعن النظر في الإشغال الفلكلورية في الحياكة أو الرسوم على الملابس، سيجد هذا النسيج المدروس لمتجانسات الألوان واختياراتها وكذلك الخط، وفي بعضها ما يذهل وكأنها اعمال فنانا استقى قدرته من الدرس الأكاديمي الذي ينقصه أصلا، ولهذا فان اعمال الفنانين الفطريين عندما ندرس إبعادها الجمالية، تمنحنا ذات الشعور بأنها اعمال مدروسة لفنانين محترفين، ان اللوحة التي تشتغل عليها الفنانة يسرى ألعبادي، توحي بذلك الجهد الجمالي لتطريز اللوحة وتوشيتها، من دون ان تثقل عليها، وتترك الحرية في الإبعاد الجمالية للتكوين العام للوحة بالمساحات والفضاءات، التي تعطي جمالية التكوين بين الكتلة والفراغ، فكتلتها حرة غير مقيدة، تمثل تجربة الدهشة والتأمل الأولى لحرية الفكر عند الإنسان، وعلى الرغم من المساحات الواضحة للخلفية، ولكن مع هذا الفراغ الذي تسبح فيه الكتلة بحرية، وإلغاء البؤرة المركزية تختفي القاعدة التي تحمل ثقل الكتلة وتوازنها في بناء اللوحة الأكاديمية، لتجعل سطح اللوحة ذات منظور واحد، وتتحرك كتلتها لتخلق منظورها الخاص في الرؤية البصرية، متجانسة مع استنطاقها للقيمة الجمالية للون، وتاطير وجوه أشخاصها ذات الشبه بالأقمار أو الأقراص الطائرة، باللون الأسود ليشكل البؤرة، في القيمة الجمالية لإبداع اللون، وليس البؤرة المركزية للوحة، فهي أصلا تخترقها، بهذه الموسيقى الطفولية التي تشتغل عليها، وكثافة الالوان ودسامتها. .               
 يسرى ألعبادي خريجة أكاديمية الفنون الجميلة / قسم الفنون التشكيلية / فرع الرسم / سنة 1985.وعضو جمعية التشكيليين العراقيين و نقابة الفنانين العراقيين. أقامت المعرض الشخصي الأول بعنوان "اشراقات" على دار أفق / 2002.والثاني على قاعة المنتدى الثقافي للمرأة/ 2003./ شاركت في كافة المعارض المقامة داخل البلد وأخرها المعرض الخاص بيوم المرآة 2005 على قاعة الواسطي./ شاركت في المعارض المقامة خارج العراق منها  معرض في قاعة رؤى في عمان/الأردن./ شاركت في العديد من المعارض منها في دبي وألمانيا وفرنسا وأمريكا واسبانيا./ عملت رسامة في جريدة بغداد 2002 / وجريدة الأديب 2004 / وجريدة الحقيقة 2003/ تعمل ألان اختصاصية تربوية في وزارة التربية العراقية/ اختصاص تربية فنية.
·        حصلت على العديد من الشهادات التقديرية منها :- شهادة تقديرية من جمعية الفنون التشكيلية العراقية عام 2002 وعام 2003./ مركز الفنون بمناسبة يوم الفن 2003و2002./ مركز الفنون بمناسبة يوم بغداد 2003./ شهادة تقديرية في وزارة الثقافة عام 1991/ 2001 / 2002 / 2004 / 2005 / بمناسبة يوم المرأة..

ستار درويش.. وشفافية اللون
         لم يكن الفنان ستار درويش في هذا المعرض، يتخلى عما تحمله لوحاته  من الغرابة أو يحدث تحويلا في أسلوبه الذي استمر على تقديمه في كل معارضه السابقة، المبني على فكرة الفرحة والدهشة الطفولية، واهتمامه بعوالم الأطفال، ولفترة ليست بالقصيرة فيما قدمه من اعمال عبر المعارض السابقة، الذي ظل انطباعه العام الدخول في عالم الطفولة ومحاكاته، وإذا ما نظرنا الى الإشكال التي تحتويها لوحته، فإنها إشكال تملك روح الطفولة وحركاتها التلقائية في الخط والتشخيص، وكأنها انثيالات طفولية حرة وغير مقيدة بأسس العمر والتجربة الشخصية، عواطف تندفع بإشكالها المتحررة من كل الأطر، فيها هذه الموسيقى التي تثيرها الموتيفات المنثورة عبر فضاء اللوحة، ولكنه في هذا المعرض قلل من الزخرفة والإشكال المتعددة التي تحيط رسوم الأطفال، وترك التشخيص حر في وجوده داخل اللوحة أو في الفضاء الواسع الذي تظهره الخلفية، واشتغل على شفافية الألوان، حتى ليخال المرء انه إمام لوحات مائية، وليست اعمال اشتغل فيها على ألوان الاكليرك والغواش، وفي هذه التجربة الغي الخط وترك اللون يحدد التشخيص إلا من بعض الخطوط التي لا تحدد الإشكال إنما تظهر حركة اليد الحرة بخطوط تشبه خطوط أقلام الأطفال وهي تحاول تأكيد البعد التشخيصي، واشتغل على لغة لم يكرر نفسه فيها، انحازت إعماله في هذا المعرض الى بناء اللوحة بدون فرض ثوابت معينة أو محددات العمل الأكاديمي، مطلقا العنان للخيال في تركيب وجود التشخيص ومساحة الفضاء، وكأنه يحاول الغوص أكثر في عالم الطفولة وفنتازيات الطفولة، واكتشاف كنه هذه الإبعاد التي تحرك مشاعر الطفل، والتفكير الحر الذي لا يحمل مسبوقات التجربة الحياتية، وفرضيات الواقع، بقع لونية شفافة ونقية وتركيب لون على لون بنقاوته من دون مزج، لإظهار البعد الطفولي في بناء اللوحة، سذاجة ولكنها تحمل قيم جمالية في الرؤية البصرية، تكتشف دهشتها بعالم غريب تلجه لاول مرة، وتحاول استيعابه جميعا بنظرة واحدة، وجوه مدورة مترعة كأنها رغيف خبز طازج، خرج للتو من التنور، في إعماله في هذا المعرض روح البعد عن أي محددات، اشتغل على حرية اللون والنص والكتلة، فجاء الفراغ مملوء بحركة اللون ضمن إطار اللوحة بشكل عام، وجعل من اللون يمتزح بروح النص الذي اشتغل عليه.
ستار درويش دبلوم معهد الفنون الجميلة عام 1988، درس فن الكرافيك على يد الفنان رافع الناصري ومحمد علي شاكر، عضو نقابة الفنانين العراقيين وجمعية الفنانين التشكيلين العراقيين، شارك في العديد من المعارض داخل وخارج العراق كان أبرزها ورقيات جارلستون في أمريكا عام 2005ومعرض الفن العراقي / شيكاغو ومعرض ركب محروقة ، قاعة ارتيكا لندن عام 2008.وحصل على جائزة تقديرية من مؤتمر المثقفين العراقيين ومنظمة المرأة العالمية ومنظمة كير في عمان.



.