الفنان شداد عبد القهار..روح متجددة وعالم من البهاء
-
مؤيد داود البصام
يشكل الفنان شداد عبد القهار، أحد الأرقام الصعبة في معادلة الفن العراقي
والعربي، فهو لا يمثل النهج الذي يتكيء على الموروث والحفريات التاريخية لإضافة ما
يوحي بالانتماء إلى اللوحة، لتبرير وجوده المحلي، ولكنه يشتغل ضمن إطار معرفي مدرك
لأبعاد ما يقدمه، ومقدار هضمه للموروث والحفريات التاريخية السومرية والبابلية
والآشورية، وإذا ما وقفنا على أعماله المتأخرة والمتقدمة، سنجد أنفسنا أمام رؤية
بصرية احترافية في معرفة كيفية استنطاق الرؤى الجمالية بعناصرها في اللون والخط
بعيدا ً عن مفهوم التنصيص، ويشتغل على إحالة الرقعة بأبعادها المنظورة إلى مدركات
رئوية تندمج القيم الجمالية فيها مع الروحية التي تفيض بوجودها عبر تشكيلاتها
الصوفية، لدى الفنان شداد بناء اللوحة يأخذ مفهومها مرتكز له عناصره التي تطرح
نفسها بنسق له خصوصيته في الإبهار، وإذ تشكل بعض الأعمال مراحل متتالية ومتسلسلة
في بنائية اللوحة لدى شداد، من حيث المشتركات اللونية أو الخطية، كنص تشوبه
الرمزية لإخفاء الوجه الذي يحاوره عن مجموع المشكلات الإنسانية التي تشغله شخصياً،
كونه جزء من مجتمع يعاني الكثير، إلا أنها لا تخرج عن نطاق البحث الدائب الذي
يتواصل به الفنان شداد عبد القهار مع ظهر اللوحة بما يملكه من خزين معرفي وتجربة
متواصلة، لإيجاد هذه الرؤية البصرية التي تطرح مفاهيمه المغلفة بالرمز، إن كان ضمن
أسلوب التعبيرية التجريدية، أو التجريدية التعبيرية،( قد يعترض على هذا التحديد
للمنهج في أعماله، لأنه يطرح أعماله بلا منهجية محددة )، على الرغم من تأكيده
المباشر على إحاطة اللوحة بالرمزية، إن
جسد المرأة في لوحاته ليس الجسد الذي تتمثل حالة تجسيد الشهوة أو البعد الجنسي،
وإنما قيمة جمالية تخلق من خلاله هذه الرؤى والهواجس الروحانية، لما تعبر عنه
القيمة الجمالية المتجسدة في الحركة، أو في الانثناءة أو أي تواصل مع إبراز
التعابير الداخلية، للكشف عما وراء ما يطرحه الشكل بمفهومه الإنساني البحت، وهو ما
يدعونا للقول إنها رؤية مختلفة، أن الروح التي يشتغل عليها تبعث مدركات سامية،
يمكننا اكتشافها في لوحاته المتأخرة في مجمل بتائيتها بما تحمله من قيم جمالية
ورموز ودلالات، وإبداعات لونية تحمل هذا البهاء الممتع للرؤية البصرية، ان رقعة
اللوحة لديه مجال متسع للمعرفة وكشف جوانب الحياة من خلال هواجس ومعاناة الإنسان
العراقي.
الجديد في معرض 2012
كيف يمكننا النظر إلى لوحة الفنان شداد عبد القهار، وهو يحاور رؤاه البصرية
الممهورة باستنتاجات بصرية في اللون والخط ، يحكم نصها أبعاد إنسانية ومدركات
معرفية، ينطلق فيها لتقرير أوضاع الإنسان والحياة وواقع حياته وحياة إنسانه عبر
القماش، إنه يبتكر رؤاه الأكثر إيغالا في كشف معاناة الإنسان العراقي من خلال
معاناته هو شخصيا، وهذه التكيفات مرهونة بشخصية شداد ومعاناته اليومية ككائن بشري
يعيش الحصار الإنساني في وطنه بأبعاده الحقيقية والمجازية، لهذا ترسخ اللون الأصفر
(الاوكر) كخط شد ما بين البنفسجي والرصاصي، ليؤكد ديمومة التعلق بالفضاء العراقي،
مع هذه الكتل على ظهر اللوحة والبقع والحروق وايهامات السطح وخشونته، والتأكيد على
الفضاء الأملس بامتداد الفراغ الذي يؤطر لوحته، بينما يأتي بجديدة في العمل
الرقعوي المستطيل والذي يمثل خلاصة أعماله وتاريخها للفترة السابقة، مع الدفاتر
التي كرسها للوحات رسمها مصغرات ثم أعاد رسمها بقياسات مختلفة، إن الالتباسات التي
يوقفنا عليها شداد في عمله هو تأكيده على البقع والحفر والبروزات مع خشونة السطح،
وإحاطة الأطراف بالمساحة الملساء، ان الرمزية التي تقود لوحته تشي بهذه الخلاصات
للتجربة التي يؤكدها الفنان كمنطلق للأبعاد الإنسانية التي يكرس عمله لها، ويسوق
قيمه الجمالية لإبراز معاناته اليومية ومعاناة الجماهير من جملة الأوضاع القاسية
والمحبطة للنفس، ويأتي سؤالنا هل اللون هو التعبير المشاكس في أعماله أم الخط أو
النص؟ إذ ما أخذنا اعمال شداد عبد القهار بمراحل متسلسلة، فإننا لن نجد خيط ترابط،
ولكن إذا حاورناه بجملة أعماله التي يقدمها في معرضه الأخير أو السابق أو الأبعد،
فإننا سنكتشف هذه الرؤية المتجددة التي تحكم لوحاته، فهي في تكيفاتها الرمزية لا
تبتعد عن روحية أعماله السابقة، ولكنها تمنحنا أبعاد جديدة في خلاصة تجربته لحد
الآن، في كيفية التعامل بين المنهج والنص، وخروج على السابق ولكنه ضمن
المنظومة، فلا يمكن الفصل بين البناء
العام للوحته في الأعمال الماضية أو الحاضرة، وتوازنها العام من حيث قدرة السيطرة
على إبعاد مجموع العناصر المكونة للبناء العام للوحة، وهو ما يجعله كشاف للترحال بين كثبان التجديد
والحداثة، وإيجاد القوة الدافعة في تحريك قدرة اللوحة على الانسجام بين الرؤية
البصرية المحددة بإطارها وبين المتلقي في تلقيه الصدمة والدهشة التي تحدثها، إن
اللون الذي يشوبه الضبابية وكأنه عجينة طينية ملونة، والبقع المستلة من أيقونات
الفنون الرافدينية، هي التي تحدد مدركات لوحة شداد والرؤية البصرية لجماليات
أبعادها، ولكنني لم أشعر بالتطابق بين العنوان الذي أختاره للمعرض الأخير في قاعة
حوار للفنون، وسماه ( أوهام ) وبين مجمل أعماله التي عرضها، نعم هو أراد أن يخلق
لنا عنصر الدهشة والتساؤل، وركز على المعاناة الإنسانية للفرد العراقي، في حرائق
بعض لوحاته، أو هذا التضاد بين السلاسة والخشونة، ولكنني لم أجد وهماً كما طرح
الفكرة بين العولمة الامبريالية، وبين ما يحدث بما يسمى ( ربيع الناتو العربي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق