السبت، 29 أغسطس 2015

التعبيرية التجريدية وتوليد النص... فلاح السعيدي نموذج.


التعبيرية التجريدية وتوليد النص...فلاح ألسعيدي نموذج
          -   مؤيد داود البصام
         فلاح ألسعيدي فنان حواري، ويعني هذا القول في لغة الفن التشكيلي، أنه فنان يتبع العلاقات ويؤلف بين العناصر بروح السرد، ليبني تكوينه الذي يتبع أصل النص الذي يحاول إيصاله لنا، أعماله الواقعية التي قدمها في معارض سابقة، تتبع السلسلة التي اتبعها في أعماله المتأخرة الحداثوية، فهو يعيد تركيب الأشكال من واقعيتها إلى فنتازيات الرؤيا، حلم متناسق يطارد التشخيص، إن كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا، إنه لا يرسم ضمن منهج التجريد، لان التجريد لا شعوري، وفلاح ألسعيدي فنان حواري، يعبر من خلال لوحته عن مشاعر متلاطمة، وأحاسيس بمدركات واعية، يبحث عن متنفس ليبث مشكلاته الإنسانية التي تلازمه وتقلق حياته وحياة الآخرين، ولهذا يلجأ إلى  التسطيح وليس التجريد، والدمج وليس إلى التفكيك،  ومن هذا الباب سنتحدث عن بنائية اللوحة، كلوحة نصية توليدية، تعتمد في إبراز قيمها الجمالية على عناصر الكتلة اللونية ومحددات الخط ضمن اطر موسيقية تعبيرية ، تستند إلى خلق حركة ذاتية في داخل اللوحة، وكأنها بناء متحرك، ليعبر بها عن تصميم مسبق لإظهار النص المختفي وراء الرموز والدلالات التي يبثها في الأشكال داخل الكتلة.
        الفنان فلاح ألسعيدي يسعى إلى  بناء لوحة توليدية تتجمع  العناصر فيها بوحدة نسق، وتكملها علاقات تشد هذه العناصر، لإبراز مفردة واحدة هو القيم الجمالية المنبثقة عن هذا التوليف ومدى تأثيرها المباشر على المتلقي، مسقطا روح النص إلى ما وراء الأشياء، التي تظهر لنا ولا توضح كحقائق مرئية، يتركز بناء اللوحة لديه على اللون بتدريجاته وتقاطعه في موسيقية تترتب ضمن حدود الخطوط التي تشكل مع اللون هذا التناغم،  وكثيرا ما يجعل اللون نقيا، معتمدا ً على فطرية الحواس، والتفاعل الوجداني الداخلي للمتلقي أمام لوحته، وهو ما يجعله ينمي العلاقة ما بين اللوحة والمتلقي بصورة تفاعلية محركا " المعادل الموضوعي " ليكون البديل عن أي رؤية مسبقة مرسخة في الذاكرة، إنما رؤية تصوغ نفسها آنيا ً لعالم البراءة والجمال، كيف يحدث هذا ؟ انه السؤال الذي نواجه به أنفسنا أمام لوحة فلاح ألسعيدي، ما هو الإيحاء الذي يسوقه ؟، إننا لا ندرك ما نريد معرفته إلا من خلال نص نحن نجترحه في اللحظة والتو عندما نقف أمام اللوحة، وتسطُرُ مخيلتنا دلائل تأويلها، الخيل تطارد الريح وأشجار تندفع للأمام، انه الفن التعبيري المتجرد من فرض النص كهيئة قائمة بنفسها ، فهو ماهر في إتقان الجانب التقني لهذا الأسلوب ويطوعه حسب هذا الإدراك المتسامي، بالشغف الذي يحتويه وبالموسيقى التي تتنامى مع اللون، وكأنك إمام شلال يتدفق وأنت أسفل منه، عالم زاخر بالألوان والخطوط الموموسقة.
بين الجديد والقديم ... تكتمل اللوحة.
        عندما نعود لأعمال الفنان فلاح ألسعيدي القديمة، سيضعنا في اكتشاف هذا التداخل بين القديم والجديد من أعماله، وكأنه يعيد علينا ما سبق إن رواه لنا ولكن بطريقة وأسلوب آخر، ليصل إلى ما يريد  معرفته، وهو مدى التأثر والانفعال الشعوري المصاحب للرؤية والتأويل، الإنسان والجماد والأشجار وكل موجودات الحياة، مصورات لا تتوقف أو تستقيم، حتى لو أخذنا لوحة المرأة التي تحمل طفلها، هي في حركة وتقدم للأمام، إن كان حملها يعبر عن مأساة تضعها أمامنا أو قضية أخرى، إلا أن في وجودها حركة ومسير، كل الأشياء تندفع إلى الأمام ، وهكذا نجد معظم لوحاته، التي هي سفر تكوين المعنى بين الرائي والمرئي، يخلق الاحتكاك للوصول إلى بناء المؤثر الشعوري المستخلص من النص إضافة إلى جمالية الشكل، عبر موسيقى الخط واللون وتقاطعهما، لبناء الوحدة المنسجمة، والتي تؤدي دور المركز، لبناء  ليس فيه مركز، إنما الكتلة جميعها تعبر بشكل وآخر عن المركز المتضخم.
الرؤية الجمالية ، لما وراء الأشياء.
          يحاول الفنان فلاح ألسعيدي السعي إلى التأليف الجمالي البصري بإعادة الصياغة التأويلية للنص إلى ذاته، باشتغاله على هذه الحزمة من الرموز والدلالات، التي تعج بها اللوحة، دامجا بتقنية عالية الجانب الفكري والجانب التقني، قد توحي للرائي انه بناء عشوائي خالي القصدية، ولكن عندما ندقق النظر يتوضح لنا هذا البناء القائم على تقنية عالية وتحكم في اللون وهو ما تقوم عليه اشتغالا ته السابقة والحالية، لترسيخ العلاقة بين اللون بكثافته وكتلويته وبين الخطوط بموسقتها وحركتها الرشيقة، حتى لنخالها أعمال نحتية أكثر منها رسوم على قماش، الكتلة تبرز ومن خلفها السطح المغاير،  فهو يتقن الإنشاء، فلوحته متقنة الإنشاء بموازنة عامة بين الكتلة والفراغ، الذي يسعى بجعل الفراغ مساحات لونية ذات مديات متسعة في أطراف اللوحة، ويبقي للحركة المستدامة المتمثلة بالكتلة التي تأخذ مساحتها في وسط اللوحة، جر الرؤية البصرية والتركيز على ما تحمله الكتلة من رؤيا، وهذا الانفصال للكتلة عن الفراغ يبرز عمق الحركة التي يسعى لكشفها بأوسع مديتها.
        كما سبق وان قلنا إن أعماله الواقعية تعود إلينا بتقنية حديثة، واستكمالا لرؤاه الأولى، ولكن بتسطيح اللوحة واغتناء اللون، وذلك ببعثرة التصميم الهندسي للشكل، وتكسيره على الطريقة التكعيبية مع محافظته على النص، إي انه لم يخرج عن البناء الأكاديمي العام، ولكن أوجد بؤر لونية مقطعة، خلقت سطوعا بصريا بديلا عن الانبهار الذي يحدث في الرؤية الواقعية للتشخيص، انه يخلق مساحات للفضاء الداخلي للوحته باللون وتقطيعه، وإعادة صياغة البناء للفضاء، بالمساحة اللونية، إنه يعطي لما تحدثه اللوحة من تعبير آني، أهمية قصوى، لهذا يؤكد على الحركة الداخلية للتشخيص داخل الكتلة، وتبقى لوحة فلاح ألسعيدي لوحة مفعمة بالحركة، وقوة إدراك جمالية الخط وموسيقى الألوان.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق