الجمعة، 28 أغسطس 2015

عودة الذات لاستذكار البراءة ...






عودة الذات لاستذكار البراءة...
-        مؤيد داود البصام
        إقام الفنانان يسرى ألعبادي وستار درويش معرضهما الأخير في قاعة الأندى في العاصمة الأردنية عمان باسم ( شبابيك الذاكرة )، وقد سبق لهما ان أقاما عدة معارض شخصية ومشتركة في العراق وخارج العراق، وللوهلة الأولى يشعر المتلقي انه يلج معرضا لفنان واحد فقط، ولكن عندما يدقق النظر يشعر الفرق فيما قدمته الفنانة يسرى ألعبادي وما قدمه الفنان ستار درويش، نعم اقتربا من الرؤيا ولكن افترقا في التنفيذ، في هذا المعرض عالم من فنتازيات الطفولة والعفوية وروح البراءة، فما زال عالم البراءة والطفولة يحمل الكثير من الأسرار التي تثير الدهشة والتأمل وروح العفوية، منذ حاول الفنان خوان ميرو نقل أحلام الطفولة، ورؤاه الحلمية على ظهر اللوحة، من اجل إطلاقها وبعث الفرح الطفولي من الأعماق السحيقة التي تكدست عليها إثقال الحياة عبر الزمان المعاش، وهو ما جعل الكثير من الفنانين يحلمون الوصول الى هذه اللحظة وتجلياتها، ففيها هذا المحمول للقيم الجمالية التي تأسر العقل وتشحذ الوجدان، ففي مرحلة الطفولة تخيلات يحاول فيها الطفل جر الانتباه له، وهي أفعال أو لغة يصعب التفكير فيها أو قراءة انتمائها لانها تمثل لحظة الدهشة واكتشاف العالم، لهذا فهي تشكل للراشد أحلام تعبر في خاطرة الإنسان فتثير شجونا كانت كامنة، تتحرك من الأعماق لترتفع لحظة احتدام ثقل الحياة والواقع، ولعل عنوان معرض الفنانين ، يحيلنا الى هذه الأبعاد، كم من الذكريات محجوزة في جوف غرفة الذاكرة في أعماق العقل البشري، يتسع جمالها لتغيير رؤية الحياة بغير ما هي عليه، وفي معرضهما الأخير لا يطلقانها بكمها المتراكم، إنما يفتحان لها شبابيك للمرور، وتنساب عبر اللون والخط، لإغداق هذا الوجود المحتدم بالصراعات والمشاكل والهموم اليومية لواقع الحياة العصرية بكل ما يحمله من ثقل، ببهجة الفرحة العفوية بما تحمله الالوان والخطوط والاشكال، ويحرك جزء من السرور والدهشة التي تمثلها براءة الطفولة.
يسرى ألعبادي...والفضاء المفتوح

          اشتغلت الفنانة يسرى ألعبادي، على فضاء اللوحة الذي احتوى التشخيص والمنمنمات لإشكالها المتنوعة من إزهار وحيوانات وإشكال زخرفيه مختلفة، وحركت في فضاء اللوحة، بما قدمت شخوصها ورموزها الطفولية مع مفردات من الأشياء بصور الجمادات أو الأوراد أو مجموعة المنمنمات التي استقتها من المخزون الصوري الشعبي، إشكال تحلق في الهواء بصورة هلامية، لا قاعدة أو ارض لها سوى تحقيق هذا البعد التعبيري، للتحرر من مثقلات الحياة، باستخدام التبسيط والاختزال والفنتازيات، وكما في إعمالها السابقة كان للتشخيص الطفولي بحركاتهم، الطابع الغالب على إعمالها وأن افترقت إعمالها في هذا المعرض عن معارضها السابق بحجم اللوحة، ذات المساحات الكبيرة الى اللوحات بإحجام صغيرة في هذا المعرض، اشتغلت على الألوان المبهجة والألوان الحارة، وعلى الرغم من وجود اعمال بخلفية ألوان باردة، إلا ان الطابع العام للإكسسوارات كان بألوان مبهجة وحارة، وهو ما أسست له بهذا المزج بين اللون الواحد وإدخال لون رديف يكسر رتابة اللون الواحد في خلفية اللوحة، وظل مسارها الحلم بإشكال الفنتازيات التي تلاعبت فيها نحو تحريك الرؤية التعبيرية، بين البساطة في النص وامتلاء اللوحة بدسامة اللون، لقد كانت كما في معارضها السابقة تبرهن عن قدراتها في استخدام اللون وإبراز قيمه للرؤية البصرية، ومما يجعل لوحتها بإبعادها الجمالية، ذات قيم جمالية ونصية، وقد وضعت الرؤية البصرية بكثافة الزخرفة لتحريك الجو العام للوحة، باختيارات المنمنمات والإشكال الفلكلورية من وقائع الحياة الشعبية، في منحى لتأكيد الفطرية والعفوية، كما نجدها في رسومات الأطفال، وبخلفية ما يشبه (الأزر ) البسط الشعبية التي تنسجها أيدي فطرية، ولكنها رسومات تتشكل بتكوينات جمالية، فمن يمعن النظر في الإشغال الفلكلورية في الحياكة أو الرسوم على الملابس، سيجد هذا النسيج المدروس لمتجانسات الألوان واختياراتها وكذلك الخط، وفي بعضها ما يذهل وكأنها اعمال فنانا استقى قدرته من الدرس الأكاديمي الذي ينقصه أصلا، ولهذا فان اعمال الفنانين الفطريين عندما ندرس إبعادها الجمالية، تمنحنا ذات الشعور بأنها اعمال مدروسة لفنانين محترفين، ان اللوحة التي تشتغل عليها الفنانة يسرى ألعبادي، توحي بذلك الجهد الجمالي لتطريز اللوحة وتوشيتها، من دون ان تثقل عليها، وتترك الحرية في الإبعاد الجمالية للتكوين العام للوحة بالمساحات والفضاءات، التي تعطي جمالية التكوين بين الكتلة والفراغ، فكتلتها حرة غير مقيدة، تمثل تجربة الدهشة والتأمل الأولى لحرية الفكر عند الإنسان، وعلى الرغم من المساحات الواضحة للخلفية، ولكن مع هذا الفراغ الذي تسبح فيه الكتلة بحرية، وإلغاء البؤرة المركزية تختفي القاعدة التي تحمل ثقل الكتلة وتوازنها في بناء اللوحة الأكاديمية، لتجعل سطح اللوحة ذات منظور واحد، وتتحرك كتلتها لتخلق منظورها الخاص في الرؤية البصرية، متجانسة مع استنطاقها للقيمة الجمالية للون، وتاطير وجوه أشخاصها ذات الشبه بالأقمار أو الأقراص الطائرة، باللون الأسود ليشكل البؤرة، في القيمة الجمالية لإبداع اللون، وليس البؤرة المركزية للوحة، فهي أصلا تخترقها، بهذه الموسيقى الطفولية التي تشتغل عليها، وكثافة الالوان ودسامتها. .               
 يسرى ألعبادي خريجة أكاديمية الفنون الجميلة / قسم الفنون التشكيلية / فرع الرسم / سنة 1985.وعضو جمعية التشكيليين العراقيين و نقابة الفنانين العراقيين. أقامت المعرض الشخصي الأول بعنوان "اشراقات" على دار أفق / 2002.والثاني على قاعة المنتدى الثقافي للمرأة/ 2003./ شاركت في كافة المعارض المقامة داخل البلد وأخرها المعرض الخاص بيوم المرآة 2005 على قاعة الواسطي./ شاركت في المعارض المقامة خارج العراق منها  معرض في قاعة رؤى في عمان/الأردن./ شاركت في العديد من المعارض منها في دبي وألمانيا وفرنسا وأمريكا واسبانيا./ عملت رسامة في جريدة بغداد 2002 / وجريدة الأديب 2004 / وجريدة الحقيقة 2003/ تعمل ألان اختصاصية تربوية في وزارة التربية العراقية/ اختصاص تربية فنية.
·        حصلت على العديد من الشهادات التقديرية منها :- شهادة تقديرية من جمعية الفنون التشكيلية العراقية عام 2002 وعام 2003./ مركز الفنون بمناسبة يوم الفن 2003و2002./ مركز الفنون بمناسبة يوم بغداد 2003./ شهادة تقديرية في وزارة الثقافة عام 1991/ 2001 / 2002 / 2004 / 2005 / بمناسبة يوم المرأة..

ستار درويش.. وشفافية اللون
         لم يكن الفنان ستار درويش في هذا المعرض، يتخلى عما تحمله لوحاته  من الغرابة أو يحدث تحويلا في أسلوبه الذي استمر على تقديمه في كل معارضه السابقة، المبني على فكرة الفرحة والدهشة الطفولية، واهتمامه بعوالم الأطفال، ولفترة ليست بالقصيرة فيما قدمه من اعمال عبر المعارض السابقة، الذي ظل انطباعه العام الدخول في عالم الطفولة ومحاكاته، وإذا ما نظرنا الى الإشكال التي تحتويها لوحته، فإنها إشكال تملك روح الطفولة وحركاتها التلقائية في الخط والتشخيص، وكأنها انثيالات طفولية حرة وغير مقيدة بأسس العمر والتجربة الشخصية، عواطف تندفع بإشكالها المتحررة من كل الأطر، فيها هذه الموسيقى التي تثيرها الموتيفات المنثورة عبر فضاء اللوحة، ولكنه في هذا المعرض قلل من الزخرفة والإشكال المتعددة التي تحيط رسوم الأطفال، وترك التشخيص حر في وجوده داخل اللوحة أو في الفضاء الواسع الذي تظهره الخلفية، واشتغل على شفافية الألوان، حتى ليخال المرء انه إمام لوحات مائية، وليست اعمال اشتغل فيها على ألوان الاكليرك والغواش، وفي هذه التجربة الغي الخط وترك اللون يحدد التشخيص إلا من بعض الخطوط التي لا تحدد الإشكال إنما تظهر حركة اليد الحرة بخطوط تشبه خطوط أقلام الأطفال وهي تحاول تأكيد البعد التشخيصي، واشتغل على لغة لم يكرر نفسه فيها، انحازت إعماله في هذا المعرض الى بناء اللوحة بدون فرض ثوابت معينة أو محددات العمل الأكاديمي، مطلقا العنان للخيال في تركيب وجود التشخيص ومساحة الفضاء، وكأنه يحاول الغوص أكثر في عالم الطفولة وفنتازيات الطفولة، واكتشاف كنه هذه الإبعاد التي تحرك مشاعر الطفل، والتفكير الحر الذي لا يحمل مسبوقات التجربة الحياتية، وفرضيات الواقع، بقع لونية شفافة ونقية وتركيب لون على لون بنقاوته من دون مزج، لإظهار البعد الطفولي في بناء اللوحة، سذاجة ولكنها تحمل قيم جمالية في الرؤية البصرية، تكتشف دهشتها بعالم غريب تلجه لاول مرة، وتحاول استيعابه جميعا بنظرة واحدة، وجوه مدورة مترعة كأنها رغيف خبز طازج، خرج للتو من التنور، في إعماله في هذا المعرض روح البعد عن أي محددات، اشتغل على حرية اللون والنص والكتلة، فجاء الفراغ مملوء بحركة اللون ضمن إطار اللوحة بشكل عام، وجعل من اللون يمتزح بروح النص الذي اشتغل عليه.
ستار درويش دبلوم معهد الفنون الجميلة عام 1988، درس فن الكرافيك على يد الفنان رافع الناصري ومحمد علي شاكر، عضو نقابة الفنانين العراقيين وجمعية الفنانين التشكيلين العراقيين، شارك في العديد من المعارض داخل وخارج العراق كان أبرزها ورقيات جارلستون في أمريكا عام 2005ومعرض الفن العراقي / شيكاغو ومعرض ركب محروقة ، قاعة ارتيكا لندن عام 2008.وحصل على جائزة تقديرية من مؤتمر المثقفين العراقيين ومنظمة المرأة العالمية ومنظمة كير في عمان.



.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق