الأحد، 30 أغسطس 2015

مجلة امضاء والرقيم.





نشرت جريدة الزمان الدولية مفال مجلة امضاء والرقيم.- 

مؤيد داود البصام


  • دأبت الكثير من حكومات العالم الثالث في حقبة تصاعد المد اليساري والاشتراكي على القيام بدور نشر الثقافة بمختلف أنساقها، وبالذات النشرات الدورية والمجلات المتخصصة والجرائد والكتب، واعتبرت هذا العمل جزء من واجبها لتنمية وبناء الإنسان الفكري، وتطوير المجتمع، وأيضا دعاية أيديولوجية لفكرها وترويجه، بالأخص الحكومات ذات الإيديولوجية والحزب الواحد، على غرار الاتحاد السوفييتي الذي كان يرعى جميع الأنشطة الثقافية، بخلاف ما موجود في العالم الراسمالي، الذي يترك العملية للمقايضة بين البائع والشاري، ويعتبر الاداب والفنون سلعة لها قيمتها في السوق، إلا أن هذه المسألة في الدول ذات الانظمة الايديولجية وحكومة الحزب الواح، بقدر ما قدمت من خدمات عظيمة للثقافة، كانت تحمل مخاطرها التي ظهرت بعد ذلك، ولعل تجربة العراق ابتداء من صدور قانون المطبوعات عام 1969، ولغاية الاحتلال الأمريكي والغربي للعراق، الذي استلمت وزارة الثقافة البناء الثقافي للمجتمع على عاتقها، من خلال مسؤوليتها في طباعة وإصدار ودفع الأموال لنشر الكتب والمجلات، وكانت أكثر الكتب توزع مجانا، وبكميات كبيرة، مما حدا بالقراء وطبقة الأدباء إلى التعويل على ما يصلهم من كتب مجانا واهداءت المؤلفين، وتدريجيا بدأت تضعف روح البحث لشراء كتاب ظهر حديثا لمؤلف عراقي، وبات الانتظار لوصول الكتاب هدية أو الحصول عليه من إحدى الدوائر الرسمية بمنتهى السهولة هو المعول عليه، وكانت هذه المسألة من أخطر القضايا التي أصابت حالة الكساد للكتاب العراقي، وبعد احتلال العراق وضعف إمكانيات وزارة الثقافة، وهو ما سعت له الدوائر التي أوجدها الاحتلال، بدأت حقبة جديدة أمام الكتاب وكل مفاصل الثقافة العراقية، وتركت الثقافة عائمة ماديا، بعد أن كانت تستند بكامل قواها على الدولة، وهو ما أحدث إرباكا بين تولي وزارة الثقافة كل ما يهم النشر وبين التخلي كليا، وفي بداية الاحتلال قام مكتب المساعدات الأمريكية في الدفع لمن يصدر جريدة أو مجلة، ولكن هذا الدعم أيضا توقف بعد ذلك، مما أجبر الكتاب للبحث عن منافذ، يستطيعون من خلالها نشر إنتاجهم، وكانت هذه المسالة غاية في الصعوبة، وظهرت خلال الفترة من2003 إلى 2010 العديد من المجلات وهذا موضوع بحثنا، وكانت منها مجلات رصينة، إلا أنها لم تقاوم، لضعف الإمكانيات المادية وعزوف القارئ العراقي عن الشراء، وهو ما حدي بها إلى التوقف بعد إعداد بسيطة بعضها توقفت بعد العدد الأول، وعندما ظهرت مجلة إمضاءات، وعمل لها بعد صدور العدد الأول جلسة تقييم في قاعة اتحاد أدباء العراق، قلنا يجب على طاقمها إن يفكر بمسالة الاستمرار، فقد حدث وصدر في العراق بالذات مجلات لم تتولى الدولة تمويلها، إنما كانت تمويلا ً ذاتيا ً لشخص أو أشخاص، ولكنها سرعان ما توقفت بعد إعداد بسيطة، وبعض الأحيان بعد عدد واحد، لان المسالة المالية هي التي تحدد استمرار المطبوع حتى يثبت وجوده، فيمول نفسه بنفسه وقد يحقق إرباحا ً، (على الرغم من أن هذه المسالة ميئس منها تقريبا في العراق والمنطقة )، ولنا مثالا على ذلك مجلة الآداب اللبنانية العريقة، فقد توقفت لأسباب مالية مع تاريخها الممتد لعقود، ولكن مجلة إمضاءات استمرت بالصدور بالجهد التعاوني بين الممول وطاقم التحرير، وأثبتت وجودها في المقالات والدراسات الجادة والموضوعية، وما تقدمه من مادة دسمة، غطت حقل السرد والدراسات السردية، واستطاعت أن تثبت وجودها في السوق الثقافية، كمجلة متخصصة بالدراسات السردية، وقد استطاعت أن تستقطب كتابا مهمين في الساحة الثقافية العراقية، على الرغم من ضعف التوزيع الذي تعاني منه، ثم تلتها مجلة الرقيم التي تصدر من محافظة كربلاء، وأيضا بجهد مالي فردي تقريبا، إلا إن منجزها الفكري بدء منذ العدد الأول يزاحم المجلات العريقة، ومما يميز مجلة الرقيم، هو نظرتها للإبداع على أساس الموقف الإنساني وليس الفئوي والقطري، ولهذا نجد أسماء عربية من كل الأقطار العربية، وهذه نظرة إلى جانب كونها تحقق مهمة دور الأدب والفن كونهما ثقافة إنسانية، لا يختصان بمنطقة أو فئة بشرية، فهي تبني خطابا جماليا رائعا على الانفتاح لتلاقح الأفكار، وسيادة العقل والإبداع على التقوقع ومديح الذات، ومن يطلع على الموضوعات المنشورة في مجلة الرقيم، يدرك الجهد الفكري في تنظيم خطابها النقدي، وتبقى المسالة والتي نرجو إن لا تحدث كما حدثت مع مجلات سابقة، هو نضوب القدرة المالية والتوقف، أن تتدارك المؤسسات الثقافية وبالذات وزارة الثقافة، لإيجاد صيغة لمساعدة هذه المبادرات الرائعة، وهذا الجهد الذي يحسب له رفع الغبن عن الإبداع العراقي ليأخذ مكانته بسبب قلة أماكن النشر، فهناك عشرات الكتابات الإبداعية مركونة على الرفوف ليس لها مجالا للظهور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق