الخميس، 13 أكتوبر 2011

أحاديث جعفر العقيلي ...بين المعرفه والذات / حوارات تحت ظلال ألمدينة البيضاء



أحاديث جعفر العقيلي .. بين المعرفة والذات
حوارات تحت ظلال المدينة البيضاء

مؤيد داود البصام
ما قدمه الصحفي والشاعر والقاص جعفر العقيلي، مثالا علي الجهد الدأب، الذي يعبر عن جدية واهتمام بالمنجز الفكري للآخر عبر كتابين هما، (في الطريق إليهم وأفق التجربة )، الصادران في العاصمة الأردنية عمان بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، ويتضمنان حوارات جادة مع نخبة من المثقفين والمفكرين الذين عرفوا بحراكهم الثقافي والإبداعي في الساحة العربية والأردنية، وهي خيارات في المرتبة الأولي منتقاة لنخبة لها حضورها وهنا أهمية الكتابين، فعند مطالعة الأسماء نشعر بهذا الهاجس الذي يضعنا فيه الكاتب، بأننا نلتقي مع أراء وأفكار لأشخاص،..لهم وزنهم الفكري والثقافي في الساحة العربية والعالمية، قرأنا لهم وعايشنا إبداعاتهم ولكنهم لم يبوحوا بما يفتح أفاق الاكتشاف، و جعل الأسئلة تفرض الإجابة عليها أن لم تكن تحليلا لما قدمه المبدع من أبداع ، فهي كشف لجوانب خفية لم تكتب سابقا ً التي صاغت هذا الإبداع، أن كان ذاتي أو موضوعي، وهو ما يشير إلي أن المحاورات كانت قصدية إلي جانب معرفيتها، ولم تقدم حوارا صحفيا لملئ الصفحات كما تعودنا في العديد من مثل هذه الحوارات، ولكنه يحاور من موقع العارف الدارس، ليس لنتاج الشخص وحسب وإنما في الكثير من جوانب حياته، والحراك الثقافي الذي واكب إبداعه، مما يجعله يجر المتحدث للإفصاح عن مكنونات ذاتية لم يتطرق إليها لا في كتاباته ولا في عموم حياته الظاهرة للآخر.

أسماء لها أشارة في الطريق
عندما ننظر إلي الأسماء التي حاورها في كتابه الأول، والذي صدر باسم (في الطريق إليهم )، فان الاختيار واضح، د. أنور الزعبي، خليل السواحري، سعود قبيلات، سلمي الخضراء الجيوسي، د. شكري عزيز ماضي، د.عبد الرحيم مراشده، عدي مدانات، د. عز الدين المناصرة، فايز محمود، ليلي الأطرش، محمود الريماوي، محمود فضيل التل، د. ناصر الدين الأسد، هاشم غرايبه، د. هند أبو الشعر، يوسف ضمره. وعلي الرغم من أنهم ينتمون إلي منطقة جغرافية واحدة هي الأردن وفلسطين، إلا إن لكل واحد من هؤلاء بصمة في الثقافة الأردنية والعربية عموما وحتي في عالمية الموقف، كما في حواره مع سلمي الخضراء الجيوسي، الناقدة والباحثة، التي بذلت جهدا استثنائيا ًمن أجل تعريف الحضارة العربية والإسلامية والأدب العربي للمتلقي العالمي، وآرائها في تطور الشعر العربي الحديث والمعاصر، وهو في حواراته يتحول مع الذين يحاورهم في مساجلاته بين القضايا الشخصية والعامة، وهو ما ينطبق علي الجهد الذي بذله الشاعر أولا والناقد عز الدين المناصرة الذي كتب وناقش قضايا مهمة في الثقافة العربية وفي شعر المقاومة العربية، وكتب تنظير في قصيدة النثر، وكذلك حواره مع ناصر الدين الأسد، المبدع الذي ترك بصمة واضحة في الساحة الثقافية الأردنية والعربية، وهو ما يوضح الاختيار في انتقاء الشخصيات الإبداعية التي يحاورها، فهو لم يترك جنسا من أجناس الأدب إلا وتناوله، في الثقافة والفلسفة والشعر والقصة والرواية والنقد، ليضع شمولية الطرح، وسياحة في دروب الإبداع.

أفق التجربة والتطور ...
عندما نستعرض ما قدمه جعفر العقيلي ذلك الشاب الطموح الذي هجر كتابة الشعر والقصة لفترة علي صعيد النشر المتواصل، بعد أن اصدر مجموعته الشعرية الأولي، (للنار طقوس وللرماد طقوس أخري )، عام 1995. ثم مجموعته القصصية، (ضيوف ثقال الظل )، عام 2002. وكرس وقته وجهده لأنشطة ثقافية أخري وأهمها الصحافة الثقافية، لكن عند قراءة الحوارات يتوضح لنا أنه لم يهمل المتابعة الفكرية والأدبية لكل مبدع، وهي عكس الصورة التي شاعت إذ استهلكت انشغالات الصحافة عن المتابعة، وهذه مسألة أخذت الكثير من المبدعين، عندما أهملوا المتابعة الجدية والانحياز للسهولة والنجاحات السريعة، ولكن جعفر وكما يظهر من الأسئلة ظل متابعا وقارئا مجدا ً وهو ما تظهره لنا الحوارات في كتابه الأول ، ومن ثم ما ظهر في كتابه الثاني، (أفق التجربة، حوارات عربية في الأدب والفكر والفن)، وفي فترة متقاربة لصدور الكتاب الثاني، يخرج لنا مجموعته القصصية (ربيع في عمان ) عام 2011، وفي كتابه الثاني (أفق التجربة ) نجد هذا التطور الفني في الإخراج وفي البناء الفكري للحوارات فإذا كان الكتاب الأول كرس إلي منطقة جغرافية في الأدب العربي فانه في الكتاب الثاني يختار محاوريه من عموم الوطن العربي باختيارات مدروسة، وإذا كان الكتاب الأول جهدا ً للحوار حول ما قدمه المبدعون من أبداع، وآرائهم في عموم الإبداع، فهو في كتابه الثاني يجعل الحوار سجالا بين المتحاورين من دون أن يجلسهم مع بعضهم، وإذا خلي الكتاب الأول من أي حوار مع فنان تشكيلي، فانه يستدرك في كتابه الأخير ليضع حوار مع الفنانة آمنة ألنصيري من اليمن وعبد الحميد ألعروسي الفنان التشكيلي الجزائري، ويضيف في هذا الكتاب تعريفا ً وسيرة حياة كل مبدع في البداية قبل المحاورة، ولها أهمية أنها تفصح عمن تطالعه قبل أن تلتقي به، بينما وضعها في نهاية الحوار في كتابه الأول، وفي كتاب (أفق التجربة ) ينتقل إلي وحدة الموضوع، فهو بانتقائه محاوريه يختار نقاط الاختلاف والاتفاق فيما بين المتحاورين، فينتقي سؤالا ً يشكل محورا ً، ليدلي كل محاور برأيه في الاتفاق والاختلاف، ويترك استخلاص الرأي الأخير للمتلقي، وهي أسئلة وضعت بوعي وفهم لطبيعة الساحة الثقافية العربية وما يحتدم فيها من صراعات فكرية، فالجدال الذي مضي عليه أكثر من نصف قرن في الساحة الثقافية العربية، عن(قصيدة النثر)، شكل محورا ً في الحوار مع الشاعر أدونيس، ومن ثم رأيه بما جاء في رأي د. سلمي الخضراء الجيوسي ود. سيار الجميل في إعماله، أو ما يطرح من إشكالات في شعره وكتاباته وحياته، لينتقل بالسؤال عن قصيدة النثر إلي الشاعر بول شاؤول، ويضع إمامه فيما يراه عز الدين المناصرة من تنطيرات في قصيدة النثر، ثم يشرك أكثر من مبدع في السؤال، كما جاء في رأي الشاعر والناقد السوري حسين حموي حول هذه القضية، التي تناقضه الشاعرة الجزائرية نصيرة محمدي في بعض أطروحاته وتتفق في أخري، وهكذا نجد أنه يتحرك في المحور الذي يريد الإجابة لأكثر من رأي من دون أن يضع الآخر مسبقا ً بتواصل الفكرة عند متقابلة، وهكذا نتواصل مع أسئلة في عدة محاور مع الشخص الواحد ومع آخرين يشاركونه نفس الحراك.. محور الرواية التي قيل أنها أصبحت (ديوان العرب)، وما هو رأي الروائيين والنقاد العرب بذلك، يضعه أمام لطفيه الدليمي من العراق وكذلك تداخل الأجناس وقضية الأستشراق وقضية التمويل الأجنبي هذه القضية المهمة التي يناقشها بين وجهة نظر الناقد والمسرحي نادر القنة من الكويت والغوثي بن ددوش السينمائي الجزائري، أن كتاب أفق التجربة بما يحمله من أسماء، أدونيس، رضوان السيد، عبد الكريم برشيد، رضوي عاشور، علوي الهاشمي، محمد عبد الله الجعيدي، لطفيه الدليمي، طالب الرفاعي، بول شاؤول، الغوثي بن ددوش، محمد خرماش، حسين حموي، نادر القنة، أحمد العواضي، روضة الحاج، عبد الحميد ألعروسي، آمنة ألنصيري، عمر عبيد غباش، نصيرة محمدي، عادل ألجريدي، ومحمد الصفراني. يشكل إضافة نوعية للمكتبة العربية بما يكمن في ثناياه من آراء نقدية ووجهات نظر فكرية تمس الحراك الثقافي في الوطن العربي عموما، وغوص في تجارب أسماء لها حضورها علي الصعيد المحلي لبلدانها وعلي صعيد الوطن العربي عموما، وتكمن أهمية الكتابين أنهما يشكلان المحاور التي تشتبك فيها الساحة الثقافية العربية، والاختلافات والاتفاقات حول الظواهر التي ظهرت وسكنت أو التي لها حضورها الآني، وما زالت تشكل بؤرة الاحتدام بين الرفض والقبول، أن القيمة المعرفية التي يقدمها الكتابان، بتعدد القضايا التي ناقشاها يمثل ما يشبه خارطة للثقافة العربية، وضعتا تجارب وآراء مجموعة لها فاعليتها ليس علي الصعيد المحلي والعربي، وإنما علي الصعيد العالمي أيضا ً. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق