مسرحية
(الحياة . on line) تستخدم كل الأدوات
لإيصال المعلومة .
-
مؤيد داود البصام
-
قدم د. محمد خيري الرفاعي مسرحية
(الحياة . on line) على المسرح الدائري للمركز الثقافي الملكي في عمان , وهي من المسرحيات المرتجلة وبدون نص
مكتوب , وكما جاء في المنهاج الذي وزع معها (تلقي الضوء على تلك المعاناة من خلال
صور ومشاهد وكلمات وفنون تحفز الانسان لمواساة اخيه الإنسان والعمل على تخليص
الإنسانية من الظلم والمعاناة , ومثل هذه الاعمال التي ليس لها مؤلف لها جذورها
التاريخية , وقد سميت (الكوميديا الشعبية) او (كوميديا الارتجال) او(الكوميديا
الايطالية) وظهر هذا الاسلوب في ايطاليا عام 1550م ليناقش الحياه الاجتماعية
والحياتية كخلفية لمسرح (التمثيلية الايتلانية) الذي سبقها في الظهور في الحقبة
الرومانية أي ما بين القرنين الثالث الى الاول قبل الميلاد والذي كان مسرحا للنقد
السياسي , مما حفز الانظمة على محاربته ومطاردة الممثلين طوال العصور المظلمة ,
وتفرقوا حتى ظهورهم ليقدموا هذا الفن وسمي (الكوميديا دي لارتي) التي كانت تركز
على النقد الاجتماعي والحياتي باسلوب الكوميدي والسخرية , ومن ميزات هذا المسرح
اعتمادة على الابتكار , يضع هيكل العمل المخرج او السينارست , والباقي من ابتكار
الممثلين بارتجال حواراتهم الكوميدية وتشمل الغناء والرقص والاكروباتيك ,
واستخدموا الاقنعة التي لا تغطي كامل الوجه على غرار المسرح الاغريقي الذي كانت
الاقنعة تغطي كامل الوجه (وسنجد ان المخرج الرفاعي يزاوج بين الاسلوبين باستخدام
القناع الكامل).
مسرحية (الحياه) تأخد
بمبدأ(الكوميديا دي لارتي) التي تستخدم السخرية والضحك في النقد الاجتماعي
والحياتي واوضاعهما , وعلى الرغم من ظهور الكثير من هذه الاعمال وبالذات على
المسرح الكوميدي المصري , الا انها اعمال لم تتخلى عن النص , انما يحدث ان يخرج
بعض الممثلين عن النص وبالذات تتركز هذه الحالة في اعمال الممثل عادل الامام , الذي كثيرا ما يخرج عن
النص ويحرج الممثلين الذي امامه , الا ان دربتهم العالية وتجربتهم في الاداء
المسرحي تنقذهم من الاحراج , ولكن قلما ان يكون العمل بدون نص فهذه اعمال نادرة
وقليلة على المسرح العربي والاردني .
فالمسرحية تجريبية في
التأليف والاخراج , تعتمد على قدرة وامكانية الممثلين في ابتكار الحوار والحركة
وكما قدمها المخرج في كلمته (هذه مسرحية لك انت ممثلها ومخرجها ومشاهدها على مسرح
افكارك) وهو ما يتيح المجال للتغيير في الاداء والحوار في كل عرض تقدم به . اذ
يترك المخرج حرية الاداء للمثل في الحركة والحوار .
تبدأ المسرحية بوجود
كرسي مزدوج المسند , وضعت عليه قبعتين سوداويتين مزدانتين بالزهور , والجدار
المواجه للجمهور في عمق المسرح شاشة للعرض مع قطعتي قماش مستطيلتين على الجانبين
,واذا يظهر الممثل (حمد نجم) امام الجمهور في الفسحة الفاصلة بين الجمهور والمسرح
, وبوضعه لنظارة سوداء على عينيه ليوحي بعماه , ويتحدث الى الجمهور مباشرة ويوجه
اسئلة عامة , حتى يصل الى شريكه في التمثيل (عاصم العمري) الذي يمثل دور الاخرس
الذي يجلس وسط الجمهور ويدعوه للعب معه على خشبة المسرح , لحظتها تبدأ المسرحية في
تقديم (الصور والمشاهد والتلاعب بالكلمات) لنقد الواقع الاجتماعي والحياتي , وكل
مشهد مقطوع عن المشهد الذي يسبقه ولكن يشدهم الخيط العام الذي ترتكز عليه المسرحية
في النقد الاجتماعي للواقع بالاسلوب الساخر , ومناقشة هموم الانسان المعاصر في
واقعه , غلاء المعيشة ’ الظلم الذي يتعرض له , وقضايا متعددة .
الممثلون
قدم الثنائي (حمد نجم
وعاصم العمري) اللذان قاما بدوري الاعمى والاخرس , دوريهما باتقان وبراعة , واجاد
في بناء الشخصين على الرغم من وهميتهما , وقدم الممثل حمد نجم دور الأعمى بروح
الانسجام ودون ان تكون السخرية والنقد افتعالية ومبالغ فيها , ولم يكثر من الحركات
والايماءات , انما كان يتمتع بطبيعة تبرهن على اتقان ودربة في ابراز الشخصية
تتعاطى الحركة والحوار المباشر مع الجمهور بدون تشنج وأدار الاداء مع الممثل (عاصم
العمري) الذي لم يقل عن رديفه امكانية في الانسجام مع الدور واعطاء الحركة ابعادها
, التي جعلت الجمهور ينسجم معهما , وأخضع ساحة العرض التي بين الجمهور والمسرح او على خشبة المسرح لسيطرتهما ,فلم
يحدثا فراغا في توازن اللوحات التي قدمها , وكان مرونة جسديهما دور في التعبير
التلقائي مع الحوار الذي اجرياه دون الخروج عن حدود الاداب والياقة وبعيدا عن
الصراخ والتهريج والمباشرة , كما يحدث في بعض المسرحيات التي تتوجه للجمهور الشعبي
التي يخرج فيها الممثل عن النص , وتخرج
كلمات جارحة وخارج سياق اللياقة والاداب لمجرد اضحاك الجمهور , ولم تبتعد
الممثلة (سارة حرز الله) بدور المذيعة عن هذا البناء عبر الشاشة , فقد قدمت حالة
لم تشعر الجمهور بانفصال بين التمثيل الحي والسينوغرافيا الذي قدمت وصلتها من
خلاله , وهو ما لا حظناه مع جوقة الاقنعة التي قدمها الممثلون (ابراهيم القاضي
وصلا حداد ومراد ابو السرايا وفلما مربد والاد الرواش ورويده صباحين) . والحركات
والرقصات لتساند الخيط الرابط بين الصور والمشاهد التي يقدمها الممثلان .
الاخراج
استفاد د. محمد خير الرفاعي
مخرج العمل مما يملكه من تجربة في السينوغرافيا في توظيفها بصور لا تجعلها جزء
منفصل عن البناء الكلي للعمل كما يحدث في أستخدام السينوغرافيا كحاله أنفصالية
وأدخالها عبرة شاشة السينما كوحدة منفصلة.
وجاء تمثيل الممثلة (سارة حرز
الله) المذيعة ليشكل انسجاما سلسا , وكان من الممكن ان يحدث خللا لو ظهرت الممثلة
لتجسد دورها على الخشبة , ولكن استخدام السينوغرافيا منح العرض المتعة والاستفادة
من التقنيات , وكذالك حركت الجوقة التي ساندت العمل , وبنت لوحات تشكيلية , منح
العرض توازنا تشكيليا, من خلال الرقصات والايماءات المدروسة . ولعل اختيار مسارح
مثل المسرح الدائري , يعطي او يمنح روحية المسرح الشعبي او يمنح الجمهور هذا
التلاحم , كما كان يتخده ممثلوا (التمثيلية الايتلانية) لاشراك الجمهور في العمل ,
او (كوميديا دي لارتي) وهو ما استفاد منه برشت في مسرح (التغريب) الذي حول بنائية
(كوميديا دي لارتي) الى دراما البحث في غربة الانسان .
قدم المخرج د.محمد خيري
الرفاعي عملا ناجحا مع بقية الممثلين والعاملين , وأضاف لمسات استفاد فيها من اكثر
من مذهب مسرحي لادماجها في عمل واحد على الرغم من تأكيد على مسرح (كوميديا دي
لارتي) الا انه ادخل القناع الروماني الذي يغطي الوجه كاملا والاستفادة من
السينوغرافيا لأحداث التواصل , ولا شك ان
ما ظهر به العمل من انسجام بين كل الاطراف , يوضح مدى ما حققه المخرج في إيصال
الفكرة وهضمها بايجابية لتوصيلها الى المشاهدين , وجعل المعاناة واحدة في عمل
المشترك بين الممثلين والجمهور. وهو مايمكن ان يؤدي الى ايصال مايطمح المسرح أن
يوصله الى جمهور المتلقين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق