الاثنين، 7 سبتمبر 2015

شايش النعيمي ممثل ومؤلف المسرحية


مسرحية الرسالة تحمل أكثر من رسالة
رموز تتحرك بحرية علي الخشبة 



                                                                          -  مؤيد داود البصام

قدم المخرج محمد خير الرفاعي مسرحية ( الرسالة ) من تأليف وتمثيل الفنان شايش النعيمي، علي المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي الأردني، ضمن ( موسم الربيع المسرحي الأول )، وهي من مسرحيات الشخص الواحد ( المنودراما )، إذا لم نضف عازف الموسيقي الفنان محمد البلعاوي، الذي جلس في الزاوية أليسري القصية من المسرح ليعزف موسيقي حية مع إيقاع حركة الممثل، وتمثل الديكور برسم علي الجدار الأمامي المواجه للجمهور، لمجموعة صخور ومعلقة فوقها ملابس جندي، وفي الطرف الآخر المقابل للعازف علي المسرح بئر وجديلة متدلية من السقف في داخل البئر، وثمة كتب وجرائد وأوراق مرمية علي الأرض في مقدمة المسرح، وقنينة شراب ، الديكور أقرب للتجريد منه لواقعية المنهج الذي جاء به النص، لتعميم الفكرة.
اقتصرت الإنارة علي البقع الضوئية التي كانت تلاحق الممثل، أو للإيضاح بالتفريق بين الحالات واللحظات المأزومة للبطل، وبين داخله الذي يفترسه الألم لأنه لم يطبق أو ينفذ وصية والده بالاستشهاد، وبين العالم الخارجي الذي يضغط عليه ويحدد مساراته، في حين استخدم المخرج الإضاءة في مقدمة المسرح في الجزء الثاني من المسرحية عندما يتقدم الممثل إلى إمام خشبة المسرح بمواجهة الجمهور، لإظهار إن الأمور التي كانت مخفية ومضمرة، بانت مكشوفة.

النص
عالج النص الذي كتبه شايش النعيمي وهو الممثل الوحيد في العمل ، مسالة أو محورا ظل نقطة غير مقروءة في السابق بإبعادها الحقيقية، مسألة تضحية ونضال المواطن العربي والأردني بالذات في الصراع العربي الصهيوني، فقد لازمت فكرة النضال بما اختصرت فيه، بسلب الصهاينة لأرض فلسطين، وتركت الإبعاد الأخرى ما وراء قضية الاستيلاء والاستلاب الرأسمالي العالمي، علي ثروات وتراث وتاريخ المنطقة وحضارتها وبناء إنسانها الثقافي والحضاري مهملة أو لم تناقش بصورة جدية، ولهذا انصبت أغلب الإعمال لتتحدث عن جزء من الصراع، ولو كان أهم الأجزاء، وهو احتلال الأراضي الفلسطينية، لوضع موطئ قدم للصهاينة، وبعدها التوسع في فرض الإرادة والهيمنة علي عموم المنطقة، فجاءت معظم النصوص لتتحدث عن ما بعد نهر الأردن حتى تخوم البحر، وفي هذا النص يعالج النعيمي، مسألة غاية في الأهمية، تأخذ بعدين، الأول مشاعر الإنسان العربي إجمالا تجاه القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني، وثانيا: تأثير القضية الفلسطينية وإبعادها المحلية والدولية علي الإنسان العربي والأردني خصوصا، ووجه نظر المواطن الأردني ومشاعره وكيف ينظر إلى الأرض وقدسيتها، وقد نجح المؤلف في معالجة المسالة من دون أن يقع في التقريرية والمباشرة، إذ أعطي بعدها الدرامي بالامتداد التاريخي من خلال معانات الفرد، وهو ما يمنحه مسرح المنودراما، كونه عرضا يمثل مجموعة حوادث ووحدات صورية حياتية ، يشكل فيها المنولوج الداخلي والمناجاة الذاتية، وجه الصراع الداخلي للبطل وآثار الضغوط الخارجية عليه، وقدرته علي الرفض لهذه الضغوط، ويتيح المجال للصعود والهبوط من دون النظر إلى المذهب الارسطوي لتحقيق البداية والذروة والنهاية في البناء الدرامي.
المسرحية قصة جندي يرفض بيع بيته، أو المساومة عليه، والمقصود رمزيا (الوطن)، وهي اللحظة التي يتذكر فيها وصية والده التي ضمنها في رسالة له قبل استشهاده في أرض المعركة في (معركة الكرامة)، ولم يستطع الابن من تنفيذ وصية والده، ليس تخاذلا منه وإنما لان القيادات هي التي فرضت رأيها، منذ لحظة إيقاف إطلاق النار عام 1973 وكان وقتها الابن جنديا في ارض المعركة، يحمل حماس وروح التضحية التي زرعها الأب فيه، وما تبع وقف إطلاق النار من اتفاقيات مع العدو، بزيارة السادات ومؤتمر أسلو والمؤتمرات اللاحقة، وصولا ليومنا الحاضر، وما آل إليه حاله وحال المجتمع، إي أنه يقراها مجددا علي ضوء الإحداث، عام 2010.
انقسم النص إلى جزأين ( تقسيم افتراضي)، الجزء الأول الذي قدم لنا وصية الأب لأبنه، ولماذا لم يتمكن الابن من تنفيذها، وهنا مكمن أزمته التي هي ليس ذنبه، وإنما ما جاءت  إليه من الخارج، لان الحلول جاءت بغير أرادته من القيادات التي فرضت رأيها بالموافقة، وارتضت المساومة، وذهبت تضحيات ونضال وكفاح الأجيال في مهب الريح من اجل مكاسب آنية تحققها هذه القيادات لنفسها وليس لشعبها، وفي الجزء الثاني (الافتراضي)، يروي الابن ما حل به وبالمجتمع بعد الاتفاقيات والحلول الاستسلامية، وينتهي إلى أن الحل الحقيقي هو ما سار عليه الإباء من أجل استرداد الحقوق.

التمثيل وعناصر العرض
استطاع الممثل شايش النعيمي إن يقدم عرضا أخاذا، ملئ فيه ساحة العرض المسرحي، بقدرة الممثل المحترف، إضافة لكون العمل جاء مواكبا لأحاسيسه ومشاعره، كونه مؤلف النص، فاستطاع إن يقول كلمته نصا وحركة، مجسدا الأدوار الأخرى التي يتطلب وجودها، ببراعة وإمكانية ممثل يعرف ما يريد، فكانت الحركة والصوت تجسيدا حقيقيا لمعاناة الإنسان المهشم والضائع بين الأوامر التي تصوغ حياته، من دون إرادته، وبين مشاعره ومدركاته وإيمانه، ونجح في تجسيد مختلف الأدوار التي تطلبها النص للشخصيات الموازية، الفنانة أو الجدة.. الخ، في خفة الحركة والانتقالات السريعة والمباشرة، واحتواء صالة العرض، إضافة إلي التنوع الصوتي وتغير التون حسب متطلبات الدور، أو عند تمثيل الشخصيات الأخرى.
وكان لبساطة الديكور الذي عمق الإيحاء بين قدرات الممثل وصراحة الفكرة، وما جسدته الإضاءة في عمق المسرح، وبساطة الملابس والإكسسوارات، إبعادا إيحائية مع مصاحبة العرض بالموسيقي الحية، التي واكبت حركة الممثل بدقة، ومنحت العرض روحا إيقاعيا يتواصل مع اللحظات المأزومة في حياة البطل، والنهاية التي اوحاها العازف، في نهاية المسرحية عندما ترك الآلة واخذ يتصفح كتابا، دلالة علي عدم الاهتمام، وان ما يحدث لا يمت له بصلة، والإيحاء الرائع الآخر هو جديلة الجدة المتدلية من السماء، في أشارة لتواصل الجذور عبر العمق الدلالي الذي يمثله البئر، وعملية الفصل بين الخلفية في عمق المسرح المتمثلة بملابس الشهيد مع الإيحاءات الدلالية للإنارة، وبين الفوضى للكتب والجرائد المنثورة علي الأرض في مقدمة المسرح التي يمثلها الزمن الحاضر.

الرؤية الإخراجية
استطاع الفنان محمد خير الرفاعي إن يحتوي المسرح ويقدم عملا شد المتفرجين خلال ساعة من الزمن، بالعناصر التي ولفها لخدمة النص في العملية الإخراجية، ببناء معماري استفاد من إمكانيات الممثل، فصب جهده علي الرموز والدلالات التي صاغها بدقة ليمنح النص قدرة الترابط بين الممثل والجمهور، خصوصا إذا عرفنا إن المخرج جمع أكثر من أسلوب في تنفيذ العمل، فقد استفاد من الطريقة البرختية في استغلال الإمكانيات الصوتية والحركية للمثل، وجعله يبدو كحقيقة واقعية وليس تمثيلا، حتى لا يضيع التأثير العقلي للمتفرج، وعمل علي خلق روح المراقبة لما بعد الفعل، وابعد المسرحية عن التسلسل المنطقي، لكسر إيهام المتفرج انه يشاهد عملا خارج وجوده وعقليته، بل مندمجا في الفعل ضمن انعكاسا مماثلا، لهذا جاء توظيف المخرج لفصل المشاهد المسرحية بعضها عن بعض، لتظهر ما يشبه حياة الإنسان في حركته وشعوره ونفسيته، وفي الجزء الأخير دفع بالممثل لكسر البعد الرابع وانزله إلى الجمهور، وجر المسرحية نحو مسرح ارتور (مسرح المضطهدين) أو مسرح الجماهير أو المسرح الثوري، ضمن فهم أن مهمة المسرح ليس الاتكاء علي الواقع وتقديمه كما هو، بل تعريته وتفجير تاريخه وكشف المطمور والمسكوت عنه، وإعلان ما يراد إن لا يرى، مركزا بناءه المعماري علي الإيحاءات التي خلقها في أجزاء بسيطة، ولكنها تمثل أهمية في البناء العام، قدسية النهر والماء والبئر والجديلة للجدة، تقسيم حركة الممثل علي المسرح، العمق للتضحية والاستبسال والرؤية النضالية للإحداث والتاريخ، و حرك الممثل في مقدمة المسرح للإحداث الراهنة والتالية، ولما حل بعد الاستسلام لاتفاقيات الأعداء، وهو ما ركز عليه في الإنارة المسطحة لمقدمة المسرح، بينما استخدم إضاءة السبوت والبقع الضوئية للجزء الأول في عمق المسرح، واحتوي المسرح بحركة الممثل بتوازن عام للوحة، التي هي أصلا كانت متوازنة بوجود البئر والجديلة من الجهة اليمني للمسرح، والعازف علي الجهة أليسري، فكان تحرك الممثل يبقي العرض متوازنا في تشكيله، ولاشك أنه علي الرغم من استعانته بالسينوغرافيا، لتجسيد صورة المعركة بلقطات حية، إلا انه لم يتكأ عليها ليحلها مكان الأداء المسرحي، واستطاع إن يسيطر علي عدم اتساع فكرة الاتكاء على السينوغرافيا كبديل عن الأداء المسرحي ومنح الأداء علي المسرح الأهمية، وهي الفكرة التي دأب محمد خير علي أدائها في أعماله السابقة، إن تجربة الفنان محمد خير الإخراجية في هذا العمل، قدمت بعدا متناميا في قدراته التي سبق أن وضبها لبناء المسرح النقدي، والذي يشكل التعاطف بين الجمهور والممثلين الركن الأساس، وجعل الوعي مهمة في أداء المسرح لجر المتفرج إلى التأمل والتفكير، وان يكون الجمهور جزء من متطلبات العمل المسرحي، حتى تكتمل السلسة بين الإنتاج والتلقي، التي تهمل في إنتاج الإعمال الحداثوية، وفي مسرحية الرسالة التي يرمز العنوان إلى جانبين متلازمين يفسران بعضهما، الأولي: رسالة بأهمية تواصل الأجيال مع بعضها البعض، والثانية: للمجتمع والواقع الذي نعيشه، أن ما بني علي خطأ فهو باطل، قدم الرفاعي عملا يشكل رقما في الإبداع المسرحي العربي والأردني.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق