السبت، 5 سبتمبر 2015

نساء وسماء الأغا والانتشاء اللوني.

جريدة الزمان في 8/ 10/2013










نساء وسماء الأغا. والانتشاء اللوني
                                                              -  مؤيد داود البصام

          اللوحة تعلن عن نفسها من خلال عناصرها المتكاتفة، مبلورة قيمتها الجمالية بمجموع العناصر التي تمثل إمكانيتها على إثارة الانتباه ما بين مكوناتها على سطح اللوحة والرؤية البصرية للمتلقي، وتكشف عن زهوها فيما تمنحه للمتلقي من أبعاد جمالية أو تأملية، وهنا يكمن الإظهار المدهش للوحة الذي تشكله مجموع القيم الجمالية المتآلفة من الخط واللون والتكوين والنص، وهو الذي يشير بصورة وأخرى إلى قدرة الفنان على إعطاء كل عنصر حقه من بداية الخط الى لحظة التكوين العام، من أجل الوصول لإبهار الرؤية البصرية، أو ما تحمله اللوحة من رؤى تتوافق مع العناصر المكملة للمسة الإبهار، حتى في الموضوعات التي تتعايش معنا، وليس فقط في إمكانية الكشف عن إظهار المظمور من خفايا الجمال في كل مكونات الطبيعة الجامدة أو المتحركة، وأعمال الفنانة وسماء الأغا، فيها هذا العنصر، تقدم للمتلقي عند الوقوف أمام لوحتها هذا الانبهار في الرؤية البصرية منذ الوهلة الأولى، هناك غنى لوني ورؤية للالتفاف على موضوعات واقعية أو موضوعة شعبية ما زالت حاضرة كواقع في المخزون اليومي للمتلقي، ولكنها تعمل على تحوير الواقع، وتغيير الأبعاد الواقعية، لإزاحتها من واقعها العيان المرئي للجميع ضمن خصوصيته، إلى الرؤية البصرية التي تكشف المضمر، المخفي الذي يتستر وراء مصدات الواقع، واقع المرأة كما يراد رؤيتها الذي يفرضه عالم واقعها وبيئتها، ويحجب ما لا يراد أن يكشف لنا عن حياتها من غير المرئي،  إنها تحول الرؤية من موقع الرؤية الخاصة،  إلى موقع الرؤية العامة ضمن خصائص الإبداع الجمالي، وهو ما يجعل التشخيص في لوحاتها للعنصر النسائي، يحمل منعطفات فكرية ورؤية بصرية مبهرة، لوحاتها تحمل في طياتها فرادة المرأة التي ترسمها، وما تتمتع به من نشوة وإمتاع، أجساد مترعة بضة ولدنة، وجوه منتشية بالحياة، يطفح منها البشر والترف، خدود موردة، أشكال تستقبل الحياة بحلم وخيال، تظهر هذه الوقائع من خلال الالوان الحارة والمفرحة التي اشتغلت عليها الفنانة وسماء الأغا، محاولة أن تستخدم طاقة الالوان التعبيرية لإظهار حالة الترف والبذخ في حياة المرأة التي تراها في عينها قبل أن تقدمها لنا، فنسائها إما في أفراح وأعراس أو في حلم في الفراش، إن كان الرجل مرافق أو لم يكن، وعلى الأغلب العنصر ألذكوري مكمل وليس الأساس، أو مكمل بشكل وآخر للموضوع، فالمرأة هي التي تأخذ مساحة الحلمية والنشوة في اللوحة.
فوارق هيئة النساء...
          الفنانة وسماء الأغا تزاوج في عملها بين عدة وقائع لحياة المرأة العراقية، تظهر المرأة البغدادية بكل عنفوان ترفها وبذخها و جمال شكلها، وبين المرأة من المجتمعات العراقية الشعبية في السواد الذي يلفها، وبين المرأة الغجرية ( أو ما يسمى في العراق بالكاولية )، التي تزركش ملابسها، ولهذا تختلط الرؤى في لوحاتها بين المرأة البغدادية والمرأة في المناطق الشعبية، وهذا الفرق يعطي أبعاده في تصوير الحياة الشعبية بكل أشكال العلاقات التي تترابط فيها الحياة الأنثوية وحياة المرأة الخاصة في مجتمعها الأنثوي، في الأفراح أو في حمامات النساء أو في غرفة النوم، فهي تنقل خصوصية مجتمعات الأنثى، وما تراه عين الفنانة وسماء التي تعايشت مع هذه الرؤية البصرية ونقلتها ضمن مفهومها ورؤيتها الخاصة، أو نقلتها عبر ما سمعته وعرفته، وليس هناك مجالا لرؤية المرأة في نظرها منتكسة، أو ضامرة أو عجفاء، فهي اعتادت أن ترى ارستقراطية المرأة العراقية والنخبة من النساء، حتى وهن في مواضع الرؤية الخاصة مثل وجودهن في الحمام، أو في غرفة النوم مضطجعة في الانتظار، إنها تنقل واقعا تعايشت معه أو سمعته ونبت في خيالها وفي اللاوعي العام، وهو ما يمكن أن نطلق عليه المضمر أو الخيال العام لمجتمع الأنوثة المحجوب عن رؤية الرجل لمجتمع المرأة، والمجتمعات المنغلقة الخاصة بها، وهي وإن تملكتها هذه الرؤية الجميلة للمرأة، وصورة وجه المرأة البغدادية والمرأة في الريف والمرأة الغجرية، وتصوير وجهها بشكل البدر المكتمل التدوير، إلا أنها أعطت خصوصية لوجه المرأة البغدادية، أعطتها سمات الكبرياء والارستقراطية، وان قامت بالكشف عن هذا الانحياز بالشكل العام للتشخيص إلا أنها جعلت الفرق في النظرة والملابس،  وعلى الرغم من نقلها هذه الفرحة والنشوة التي تمتلك وجوه وأجساد نسائها، إلا أنها من ناحية أخرى تبرز الدوامة التي تعيشها المرأة، فهي تغوص في أعماق شخوصها من خلال إيجاد بعد رياضي في حركة اللوحة للكشف عن أعماق المرأة وليس بإظهار الانطباع على وجهها في رفض الواقع أو التعايش معه على مضض، أو لحظات الحزن التي تلف وجوه نسائها، فإذا أخذنا معظم أعمالها فان المرأة تقع ضمن الدائرة التي أوجدتها لإظهار باطن العلاقة بين المرأة والواقع وتفسيرا لطابع الحزن الذي يكتنفها، ولهذا لا نجد في أعمالها على قلتها التي يشكل العنصر ألذكوري الأساس دائرة يلتف حولها، فلا وجود له داخل الدائرة المفترضة التي أحاطت بها أعمالها والتي تشكل المرأة العنصر الأساس، إنما نجد استقامة في الكتلة التي يتواجد فيها الرجل،( لوحة العودة ، معركة عين جالوت ... )، على الرغم من أنها وضعت الدائرة باللون الأصفر نصف خلفية للوحة معركة عين جالوت، إلا إن اللوحة بشكلها العام تنح نحو الكتلة المستقيمة، وهكذا سنجد هذه العلاقة تأخذ مسارا ً متواصلا ً في أعمالها جميعا وان شذت بعضها، وكذلك سنجد عنصران يتحكمان في مشخصاتها، المرأة البغدادية والمرأة من المناطق الشعبية، في المدن العراقية وبالذات الجنوبية، وتفرق في الوجه  ومزركشة ألوان الملابس والشال الذي يغطي الرأس والتي تسمى، ( الفوطة ) والعباءة السوداء، وهو تضاد حاد في العلاقة بين الطرفين، يكشف الشكل الحضاري للطبقات الاجتماعية في العراق، وهو نفس السبب الذي يجعلها تهتم بالرقص الغجري والغجريات أو ما يسمى في العراقي كما ذكرنا سابقا ً ( الكاولية )، مجسدة حالتها في لحظة الاحتدام والحركة ومعاناتها الإنسانية حتى وهي في اشد حالات الانتشاء التي يحسها الإنسان في الرقص، وهي تنقلنا لما يمثله هذا التفاوت في حياة المرأة خارج نطاق العلاقة الاجتماعية العامة، هذه الحياة المغلقة على إسرارها، خارجها لا يشي بما في داخلها من معاناة، لهذا جاءت معظم لوحاتها التي تخص العنصر النسوي، مشخصاتها يتواجدن ضمن الدائرة، الدوامة التي تدور بدون أن تصل إلى نقطة وليس لها مركز، حياة مفرغة، وما نجده في تركيزها على العيون الجميلة والمتسعة لمشخصاتها، في تلك النظرة الحالمة والتطلع إلى فراغ، منتشية بما هي عليه ولكنها في تيه وضياع. إن الحوار الذي تقيمه الفنانة وسماء الأغا بينها وبين اللوحة يظهر لنا من خلال فلسفة العلاقة بين المرأة ووضعها في داخل الدائرة، الدائرة التي تلاحقها في الأفراح وفي وجودها في الحمام ، وعند الرقص وحتى في الفراش، إنها الحياة السرية للمرأة التي لا يراها إلا من يشترك فيها، تحمل العفوية، والنظرة الثاقبة لحياة المرأة إن كانت في خلوتها أو في واقعها الاجتماعي. إنها تظهر لنا عالم يجهله الرجال ويحلمون في رؤيته أو الدخول إليه، كما تنقله عن عالم المرأة وهي تقف على السطوح أو في زوايا النوافذ للفرجة والمشاهدة على الحياة الذكورية، أعمالها تمثل المحرك الذي يداعب الخيال ويشحذ المخيل، للخروج به من دائرة الجمود الى وهج الحلم والفنتازيات، وترفها في استخدام  الالوان هو تماهى ما بين الفكرة والشكل، لإظهار هذا الوهج الذي تحمله لنا الالوان الحارة وهي تختلط بالحركة التي تتسم بها جملة أعمالها، أن واقعيتها المحرفة لأجاد بعدا جماليا يخرجنا من الفونوغراف إلى العمل الفني الجمالي للتشكيل الحديث.     







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق