عام 1967. سركون بولص ومؤيد البصام ورياض القاسم . شارع الخيام الباب الشرقي.إ |
سركون بولص ومؤيد البصام في حدائق بارك السعدون 1967 |
1. والمدافب بالنار، أو بالرماد
نصاً غائباً وهو يقلب نظامها الحقي ، غائراً
وخائفاً،أنانياً
1. كاتبسركون بولص .. داخل أم خارج اللعبة..؟
- مؤيد داود البصام
----
قرأت على مدى السنوات الثلاث منذ وفاة الصديق الشاعر سركون بولص، العديد من
المقالات ألتأبينه، والذين كتبوا اغلبهم لم يكتبوا إثناء حياته، بل قسم منهم لا يعرف
من هو سركون بولص، إنما سمع عنه، وهناك كما هي العادة الجارية حينما يغادر عالمنا
شخصية مهمة في إي مجال، تنبري الأقلام للكتابة عنه، ولكن استغرابي لكتابات ظهرت
تُأول وتحلل حسب وجهات نظر ليس لها أصل أو وجود عن شخصية سركون، وتحلل شعره على
ضوء مستجدات الموجة التي اجتاحت العالم بما يسمى (ما بعد الحداثة )، للخلط بين
الغث والسمين,(وتحصر قيمته الإبداعية في شق ضيق، ونظرة شوفينية مقيتة)، و تستغل
الظرف لتبث آراء ما انزل الله بها من سلطان لشاعر ومناضل ضد الظلم والقهر
الامبريالي، ومدافع عن الإنسان وحريته في إي بقعة من العالم، والمعروف عن الكتابات
النقدية، إن الناقد أو الكاتب يتحدث عن إبداعات المبدع من خلال نصه، إذا اخذ
بمنهاج ( موت المؤلف)، وإذا ما أراد المقارنة باستخدام منهاج التحليل النفسي أو المناهج الأخرى، فهو
يلجأ للتاريخ الشخصي الموثق ليخرج بنتيجة علمية وموضوعية، ولكن إن يحلل ويستنتج من
دون استشهاد موثق، فهذه الطامة الكبرى التي ابتلينا بها، وأسفي على كتاب أحبهم
واحترمهم، كأشخاص في خلقهم وأخلاقهم وثقافتهم، انجروا لمثل هذه الترهات، ولن
أتوارى وراء القناع بعدم ذكر الأسماء، سأكون صريحاً وواضحاً، لأني أعلنت منذ
البداية، حبي واحترامي لهم، لا بل منهم من كتبت عنه مثل صديقي الذي اعتز بصداقته، وانأ
واحد من المعجبين برواياته التي كتبت الكثير عنها، وبآرائه التي أحب إن استمع لها
عند لقاءاتنا على تباعدها، الصديق الروائي المبدع علي بدر، وكذلك الصديق المبدع محمد غازي الأخرس، وآخرون
منهم من اعرفه ومنهم من لا اعرفه، كتابات فيها تجني على سركون بولص كشخص وعلى
شعره، ولكنني لم أقرأ للذين عاصروا سركون أو ارتبطوا معه بصداقة من المبدعين، خلط
بين إبداعه وتكلم عن عقد لا وجود لها في شخصية سركون بولص أثرت على شعره وعلى
شخصه، بل قالوا ما يجدر به القول، أمثال سعدي يوسف وكاظم جهاد وخالد المعاني ومؤيد
الراوي وفاضل العزاوي وشجاع العاني وحاتم الصكر وياسين النصير وآخرون، الآراء التي
طرحها الجيل الذي لم يعاصر سركون بولص، ولا يعرف عنه إلا ما قرأه من شعره، أو ما
قرأه من الآخرين عنه، هي الآراء المليئة بالمغالطة، وعدم أدراك ومعرفة عقلية مبدع
رائع مثل سركون بولص، وهذا مما يؤسف له، تحدثوا عما تريده الموجة التي وضع شروطها
المحتل، في تجزئة الواحد، ليسهل السيطرة على الكل .
فمن هو سركون...؟
يذكر المثقفون في بغداد، من الذين أطال الله في عمرهم، وهو المكان الذي
التقيت سركون بولص ومؤيد الراوي وفاضل العزاوي وجليل العطية وخالد يوسف وحميد
ياسين وخالد على مصطفى ومالك المطلبي وسامي مهدي ورياض قاسم وشجاع العاني ومؤيد
الطلال والقائمة تطول ... الخ، والذين غادرونا قبل أو بعد إن غادرنا سركون، أنور
الغساني وجليل القيسي ويوسف الحيدري ومحي الدين زنكنه وشريف الربيعي وعبد الأمير
الحصيري وموسى كريدي وعزيز سيد جاسم واحمد فياض المفرجي ... الخ، إن العالم الذي
كنا نعيشه، عالم حلمي غريب، كان اغلبنا من الطبقة المتوسطة، وعلى قول الناقد
والمبدع محسن الموسوي ( كنا نحلم، ونركض لتحقيق الحلم، وكنا نظن انه سيتحقق عن
طريق الأدب والفن)، هذه حقيقة المبدعين في تلك الفترة المضطربة من حياة العراق
والوطن العربي والعالم، ونحن كنا جزء من هذا العالم المضطرب، بل وكنا نظن نحن من
سوف يحرر العالم مما هو فيه من أزماته، وإلا بماذا نفسر هذا الاستقتال على الكتابة
والرسم والتمثيل و كتابة الشعر، لمن لا يملك دفع عشرون فلسا، ثمن الجلوس في المقهى
؟، أنها روح الثورة للتغيير التي كانت تشتعل في أعماق كل واحد منا، أنها الغربة
التي ورثتها الحركات السياسية والحكومات التي تؤسس لنفسها وليس للوطن والمواطن في داخل كل واحد منا، فمن كان
هو سركون وسط هذا الموج المتلاطم ؟، ظهر سركون بولص في ستينيات القرن الماضي، مع
مجموعة من المبدعين، جاؤا من مدينة كركوك، وكانوا يحملون امتيازا، أنهم يتقنون
اللغة الانكليزية مثل أهلها، فالمعروف عن العراقيين، وهي مسألة غير مفهومة، كرههم
للغة الانكليزية، وهنا كان مكمن صعوبة الأغلبية في اتقانهم للغة، ومن اتقنها برع
فيها، بل أصبح بمستوى أهل البلاد إن لم يكن أفضل منهم، بما يملكه من ثقافة وظفها
مع اللغة، فتجاوز الكثير من أبناء اللغة، وقد أتيح للقاطنين في مدينة كركوك
الاختلاط بخبراء شركات النفط والعاملين فيها من الانكليز وعائلاتهم، بإتقان اللغة
الانكليزية، وبما إن العيش في المحافظات والقصبات البعيدة عن العاصمة والمدن بشكل
عام، تمنح الكثير من الوقت إلى جانب روح التحدي التي تتلبس من هم بعيدين عن مركز
الحضارة التي تمثلها العاصمة، فتكون إبداعاتهم أعمق من أبناء العاصمة، وأغزر إنتاجا،
وقراءتهم أكثر تركيزاً ، وأكثرُ كماً،( مع الأخذ بالاستثناء )، وبجرده بسيطة سنجد إن
اغلب مبدعي العراق هم من أبناء المدن والقصبات، وهذا ما جعل وجود ما سموا بجماعة
كركوك، له وقع في الثقافة العراقية في ستينيات القرن الماضي، بالنسبة لحركة
التجديد والحداثة، بما حملوه من أفكار وآراء وإنتاج فكري وأدبي وفني، وكذلك من
عادات وتقاليد كانوا قد تعايشوا معها في مدينتهم الغريبة، والتي في داخلها كل ما
هو غريب عن المجتمع العراقي من عادات اجتماعية وثقافية، وتعاملوا مع الأدباء
والفنانين في بغداد بعادات وتقاليد، لم يألفها أبناء المدن الأخرى، التي كان يعشش
فيها التخلف والجهل والعادات التقليدية ذات الصبغة اما البدوية او الريفية، هذه
الصيغة فيما حملوه من أفكار إبداعية، وكيفية تعاملهم وطباعهم، اشعر الآخرين
بتعاليهم، وهو في حقيقة الأمر ليس تعالياً بقدر ما كان طبيعة مختلفة في العلاقات
الاجتماعية، تختلف عن طبيعة العلاقات في مدن الجنوب أو الوسط، وكان أكثرهم عزلة في
عدم الاختلاط، المرحوم أنور الغساني، واقلهم كلاما محي الدين زنكنه علما انه
استوطن مدينة بعقوبة، وكان قليلا ما يأتي إلى بغداد، ويأتي مؤيد الراوي الذي كانت
له شخصية خاصة، فيها من العمق تشعر إزائها بموقف مفترق عن الآخرين في هدوءه وكيف
يستل الكلمات عندما يتحدث، إما فاضل العزاوي فقد كانت شخصيته خليط من كل هذا مع
انفراده بالعزلة وانتقاء جلسائه والحديث همساً وحماسه لخلق عالماً جديد في الثقافة
العراقية، ويشكل يوسف الحيدري أكثرهم انفتاحا واختلاطا، إذ سرعان ما إندمج بالجو
العام واختلط بحابله ونابله، ولم يكن جان دمو كثير التردد على بغداد أو حتى لم يكن
قد استقر فيها، إلا في وقت متأخر، كما حدث مع الآخرين خصوصا وانه قد انخرط في
التجنيد الإلزامي وأصبح جنديا، ولي معه قصة طريفة، معروفة كتبتها ونشرتها، ملخصها
( كنا نجلس في مقهى عارف أغا، في بداية شارع الرشيد من جهة ساحة الميدان، إذ كان
الشاعر عبد الأمير الحصيري يتخذها مقراً له، وفجأة ظهر شاب أبيض البشرة، يسير ألهوينا
ويرتدي الملابس العسكرية، ولكنه بدلا من إن ينتعل البسطال، عقد رباط الفردتين
ووضعهما متدليتين واحدة على صدره والأخرى على قفاه، وسأل صاحب المقهى عني، وبعدها
تقدم نحونا، ونحن في ذهول فمن كان يتجرأ على السخرية من المؤسسة العسكرية، وكان
وزير الدفاع آنذاك عام 1966 يشن حملة شعواء للقاء القبض على كل متخلف عن الخدمة الإلزامية،
وقف هذا المتمرد العتيد، وسأل : منو هو مؤيد البصام ؟ قلت له: أنا. قال: يقول لك
سركون بولص أعطني دينار. قدمت له الدينار إمام ذهول الجميع وأولهم الشاعر عبد الأمير الحصيري أمير الصعاليك، متعجبا ومندهشا، كيف
حصل هذا الصعلوك على دينار مرة واحدة، وهو ينهي اليوم بكامله، يسعى وراء الدينار فإما
يتحقق أو لا يتحقق، من اجل سهرة الليلة. وعندما نقدته، سألته: من أنت. أجاب: جان
دمو، وغادرنا كما قدم إلينا دون إن يحينا، وودعنا دون إن ينبس بكلمة .) هذه المرة الأولى
لمعرفتي بجان دمو وبداية صداقتي له، وقد قص لي سركون الحكايات العجاب عنه، ومن
طبيعة سركون إن يفخم ما يريد إن يجلب به الانتباه، وهي مسألة ممكن ملاحظتها في
شعره، فهو يستل الكلمات التي تثير المحفزات والتساؤلات مع تحريك يديه ورفعة رأسه،
وهو يتحدث يحك فروة رأسه بإطراف أصابعه،
متخللا شعره الكث، كان سركون شخصية فريدة من بين المجموعة التي ذكرناها،
نحيف بعض الشئ، طويل بغير إفراط، يثير انتباهك عند أول لقاء لك به، وجهه المستطيل،
وفيها يسخر منه فيقول، ( استطالة وجهي أقل من استطالة وجه بيكت الذي يشبه وجه
الحصان )، يسير كأنه يقفز، ويرفع رأسه للأعلى دائما، وكأن هناك فيه ثقل يجعله يرده
للخلف. ومن الذين لم نذكرهم الراحل جليل القيسي الذي تعرفت عليه متأخرا، وعلى
الرغم من عمق ما كان بيننا عند اللقاءات من أحاديث، إلا إنني قليلا ما كنت التقي
به، لأنه رفض إن يغادر كركوك، وعندما يأتي إلى بغداد، سرعان ما يغادرها عائداً إلى
كركوك، وحتى عندما زرته في كركوك، واعدني في بيتهم وليس كعادة العراقيين في
المقهى، إما زهدي الداوودي فاني لم التق به، ولم أتعرف عليه، ولكني كنت اسمع عنه
من خلال الأحاديث التي كان يتطرق لها أصدقائه. فرادة سركون بولص أنه كان ينقلك
عندما يتحدث بالأدب والشعر أو في إي موضوع إلى عالمه، إلى تلك الأحاسيس التي
استشعرها لحظة القراءة أو الكتابة، فينقلها بالصوت والحركة، وكان إذا ضحك يهتز
جسمه ويقهقه، ولكن ليس بصوت عال، إنما تلاحظ حركة يديه ورأسه وجسمه وحتى بعض الأحيان
قدميه، بحركة يصفق فيها يديه مع ضربة قدمه في الأرض، كل هذا جعله محببا من الجميع،
بخلاف الأصدقاء المبدعين الآخرين من جماعة كركوك، فقد كانت ضحكتهم ابتسامة، قلما
تفتح فاه احدهم، وعندما يتحدثون، يتحدثون برقة وهدوء، وصوت خفيض، ومن الصعب إن
تكتشف انفعالهم من عدمه، طبعا باستثناء يوسف الحيدري الذي اندمج في الجو كما سبق
القول، ولعل فيما كتبه حسن الكعبي، "ما عدا سركون لم يختلفوا فيه" الرأي
الصواب، والسؤال: هل كنا عندما نلتقي كل
يوم مساء في شارع أبي نؤاس، كان سركون لفترة لا يخرج في النهار، لأنه كان مطلوبا
للخدمة الإلزامية مع الكثير من الأدباء والفنانين، هل كنا نؤشر هذا مسيحي أو مسلم أو
آثوري أو سرياني أو شيعي أو سني، واسأل الزملاء المبدعين الذين عاصروا تلك الفترة،
هل كنتم تعرفون عن أي واحد من زملائكم، ما هي ماهيته ؟، إنما كانت المعرفة على قدر
ثقافة الشخص، وقرب أفكار بعضهم من بعض وانسجامهم الثقافي، وانأ متأكد بان إجابتهم،
ما كنا نعرف وما كنا نسأل، إنما كان السؤال، هل الشخص يساري أم يميني، شيوعي أم
بعثي أو قومي، حداثوية أم من جماعة الكتب الصفراء ( كناية عمن يقرؤون كتب التراث،
ويرفضون كل حديث وجديد)، إلى إي تيار ينتمي.
ألان عندما أعيد تشغيل الذاكرة، لم أجد أن هناك من كان يكره أو يحقد على
سركون بولص، وهذه مسألة اعتيادية في نرجسية الأدباء والفنانين، فكثير من خصوماتهم
تعود للحسد وحب الذات، ولكن لم أجد واحداً من الذين زاملتهم إثناء وجودنا، قبل إن
يقوم صديقنا شجاع مسلم العاني بتهريب سركون عن طريق المنطقة الغربية حيث تسكن
عائلة شجاع إلى سوريا، وكان سركون قد اخبرني قبل سفري إن يوسف الخال والصايغ وعدوه
بإرساله إلى أمريكا، وقد أكد لي هذه الحكاية صديقنا المشترك شجاع العاني، فقد كان
منسجما مع الجميع، وجميع من عرفتهم وعرفوه، يحبونه ويقدرون شعره وعبقريته، وأعود
للتذكير إن اغلب الأدباء والفنانين، كانت مواردهم المالية ضعيفة، ويشكون حالة
العوز أولا، وجميعهم كانوا خاضعين لقوانين البلد ثانياً، فكما كان سركون بولص
مطلوبا للخدمة الإلزامية، كان حميد ياسين وانأ والعشرات في نفس الإشكالية، وإذا
كنا ننتقد النظام، فهي ليست عقدة قومية ولا شيوعية ولا فئوية أو طائفية، إنما كانت
جزء من حراكنا للتغيير، وعندما جاء الأمن في عهد الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف،
لاعتقالنا نحن جلاس مقهى شارع الخيام، كان الجميع مقصودا، فقد اعتقل شريف الربيعي
وسهيل سامي نادر وبقية الجلاس من الأدباء والفنانين الذين كانوا متواجدين لحظتها،
والذين كانوا يرطنون بأسماء، اعتقد الجالس الذي موكل بمراقبة المقهى إن هذا تنظيم
جديد، لان الذي كتب التقرير سمع لأول مرة بأسماء ( جان بول سارتر وكامو وهيدجر
...الخ) وعندما فهم الضابط إن هذه الأسماء لا دخل لها بماركس ولينين، قال لهم: ما يكفينا
وجع الرأس من ماركس وانجلز ولينين، جايينه بهذولا همين.. ونجا سركون لأنه اختفى
خلف اوجاغ الشاي، وانأ ومنعم حسن وجليل حيدر وآخرون، لأننا جئنا متأخرين، بعد أن أخذوهم،
فكيف يقدم سركون طلب تعيين لوكالة الإنباء وهو مطلوب للخدمة الإلزامية ومتهرب
منها، والبرهان انه لم يكن يملك جواز سفر وليس بإمكانه إن يستخرج جواز بدون أن
يؤدي الخدمة العسكرية، مثله مثل كل أبناء الشعب العراقي، ولهذا قام شجاع العاني
بتهريبه إلى خارج العراق مثله مثل العشرات، من المسلمين والمسيحيين والعرب والأكراد
والتركمان سنة وشيعة وآثوريين وسريان وكاثوليك، الذين جازفوا وخرجوا .
سركون جزء من الكل في الهم والمأساة ...
كنا في تلك الفترة من خمسينيات وستينيات القرن الماضي، نعاني من مسالة
النشر، وكان من الصعوبة إصدار كتاب لأنه كان يكلف راتب موظف شهراً كاملاً، والأكثرية
كانت بدون عمل أو طلاب، والصفحات الثقافية ضعيفة وخاضعة لمزاج المدير المالي،
ورؤساء تحرير اغلبهم ليسوا بصحفيين وليس لهم دخل في الأدب، ( ممكن الرجوع إلى
كتابي، الصفحات الأدبية ودورها في الثقافة العراقية )، لفهم ما كان يحدث، وقراءة
رأي القاص والروائي صديقنا المبدع عبد الرحمن مجيد الربيعي، في مسألة النشر في
الصفحات الثقافية، فقد كان مسئولا عن صفحة ثقافية، ومعاناته فيها، وعندما أسست
جمعية الأمل للمكفوفين، صحيفة (أبناء النور) التف حولها الأدباء فكان سركون
سكرتيراً للتحرير لفترة، ثم تولى تحريرها محسن الموسوي، و عندما ظهرت مجلة
(الكلمة)، لحميد المطبعي اعتبرت حدثاً مهماً في تاريخ الثقافة العراقية، وهذا ما
حدث عندما أجيز لنا بإصدار مجلة (الفنون المعاصرة) وكنت رئيس التحرير، وسركون بولص
سكرتير التحرير، ولعدم معرفتنا بالقوانين، فقد خفنا إن نضع اسمه كسكرتير تحرير حتى
نأخذ موافقة بذلك، فأصدرنا ثلاثة إعداد ونفذت نقودنا، وجاء مؤيد الراوي وأنور
الغساني إلى مقهى الزهاوي، وكنا نجلس إنا والشاعر حسب الشيخ جعفر وطارق ياسين
وحميد ياسين وآخرون، واتفقوا معي إن يصدروا العدد الرابع من المجلة، وهناك ممول
سوف يقوم بالتمويل بعد إن يشاهد العدد، إلا إنني لم استطع من تدبير عشرة دنانير لإعطائها
لعمال مطبعة النصر، وكانت المواد قد نضدت، ووضع مؤيد التصميم، ولكن العدد لم يصدر،
لعدم الوفاء بالالتزام المالي، واستطاع حميد ياسين من تدبير قسم من المال لطباعة
عدد وتدبرت القسم الباقي وأصدرنا العدد الرابع، في هذا الجو عشنا وعاش سركون بولص،
وعلى الرغم من إن المبدع جبرا إبراهيم جبرا فتح بابا في مجلة (أهل النفط)، وامتص
الكثير من نتاج الأدباء الحداثويين، ألا إن النشاط الفكري كان أوسع بكثير، فالمجلة
الوحيدة المهمة التي كانت تصدر في العراق، (مجلة الأقلام) كانت تحت سيطرة
المحافظين الذين يرفضون رفضا قاطعاً النظر بشئ اسمه الأدب والفن الحديث، وكذلك
ملحق جريدة الجمهورية، إلى حين ما استطاع مؤيد الراوي وأنور الغساني من انتزاع
الملحق منهم وبدا ينشر للشباب والأدب الحديث، كان همنا واحد، ومصيرنا واحد، وحلمنا
واحد، وان اختلفت إشكال تحقيقه، وهو ما حدث بعد ذلك لمجلة الأقلام، وكان سركون
بولص محبا للعراق أكثر من إي واحد من الذين يدعون حبهم له ويتآمرون على تدميره،
ولم يحدثني يوما على كثر ما جلسنا في مقاهي ودروب شارع الرشيد والسعدون وأبي نؤاس،
عن شئ اسمه عقدة الاثوريين أو عقدة أبيه، كان يحب أباه مثله مثل الكثير الذين
تعلقوا بآبائهم لخصلة فريدة في نظرهم عن بقية الآخرين، ولم نتحدث في يوم ما عن عدم
حبنا للعراق، لقد كان كما كنا جميعا نريد عراقا عظيما، واتحدي إي واحد يذكر لي، خبراً عن واحد من مجموعة كركوك، (وهو
ليس دفاعا عنهم، وإنما للحقيقة)، أيد الاحتلال أو صفق له، أو كتب عن مظلوم يته،
وردح ولطم، كلهم مع بقية المبدعين الاصلاء، وقفوا ضد الاحتلال وأدانوه، ولم يشتكوا
أو يتظلموا لذاتهم، كانت شكواهم وتظلمهم لأجل العراق وشعب العراق، وللإنسان في إي
بقعة من العالم، أنهم يحملون كرامتهم مثل إي ارستقراطي وقع في أيدي اللئام، ولا
أريد أن اعدد، هذا سعدي يوسف ومؤيد الراوي وفاضل العزاوي وفاضل الربيعي والعشرات
من الشجعان من مبدعينا الأفذاذ، وبقية كل الإعلام
من المبدعين، ما زالوا شوكة في حلق المحتل ومن صفق للمحتل، بل إني لم اسأل يوما،
كما هو لم يسألني أو يسأل إي واحد من أصدقاءه، الذين كانوا من مختلف صنوف المجتمع
العراقي، على الصعيد القومي أو الديني أو العقائدي، شيوعيون وبعثيون وقوميون، ومن
اليسار ومن اليمين، ووجوديون وعبثيون وعدميون، من إي طائفة أودين أو قومية أنت،
كلهم كانوا أصدقاءه ويحتفون به، كان سركون وطنياً، أكثر من وطنية من يدعونها
اليوم، وأحب العراق كما يحبه أخلص أبناءه، وهذا موثق في شعره، وعندما دعي إلى
المربد حضر، لأنه لم ينظر من دعاه، فهو حضر للعراق وشعب العراق، الحكام زائلون،
والسلطات زائلة، والوطن والشعب باقي، ولشديد الأسف لم التق به، لأني كنت عسكريا،
في خدمة الاحتياط، وقد اخبرني صديقي الروائي دكتور جاسم الهاشمي: انه التقى سركون
في المربد عندما حضر، في فندق المنصور ميليا وسأله عني، وفيما إذا يوصل خبر وجوده
ليراني، ولكنه لم يستطع كما اخبرني صديقي جاسم أن يتصل بي، وضاعت الفرصة بلقائنا
بعد هذه السنين الطوال.
لم
ارغب في الكتابة عن شعر سركون بولص فقد تناوله اغلب النقاد، وما زال يحتاج إلى
الكشف عن روعة ما انشد، وأحببت إن أكتب عن سركون بولص الإنسان في غربته، كما هي
كانت غربتنا في داخل العراق أو خارجه، لقد
كتب في شعره هذه الغربة التي طالتنا، وكتب عن المنفى الوجودي ألقسري الذي اضطر له،
بانفصاله عن المكان الذي يعشق، برحيله المختار ليبقى صوت أناه يزدحم بالقلق الذي
كان يحرك كل شجونه، فهل هناك حباً أكثر من هذا للعراق وشعبه ؟ أردت إن اكتب عن
سركون بولص الإنسان، الذي أحب العراق وأحب شعبه، وتغنى به، ودافع عن الإنسان، إن
كان آثورياً أو عربيا أو فيتناميا أو مكسيكياً، وسأكتب عن شعره، عندما أتخلص من
انفعالية عواطفي تجاهه كانسان، عشنا أياما من الصعب نسيانها، أرجو أن تكون إضاءتي هذه، تفتح بابا على فهم شخصية هذا
المبدع الرائع العميق، بعيدا عن التأويلات والتخريجات التي لا يمت لها شعره
وشخصيته الفذة بصلة، وان لا يحشر في زاوية ضيقة، فهو كان وما زال شاعراً كونياً،
فلا تنزعوا عنه عالميته، ولعل ابلغ ما قيل في حقه، الذي عبر اصدق تعبير عن هذه
الشخصية الرائعة، هو قول الشاعر المبدع الرائع سعدي يوسف، وانظروا كيف يتكلم كبير عن كبير :
( ذكرتُ
أن سركون بولص هو الشاعر العراقي الوحيد...
قد يبدو
التعبير ملتبساً.
لكن
الأمر، واضحٌ، لدى.
سركون
بولص لم يدخل الشعر إلا من باب الشعر الضيق.
بدأ في
مطلع الستينيات، مجهزاً، مكتمل الأداة، مفاجئاً وحكيماً في آن.
لم يكن
لديه ذلك النزق( الضروري أحياناً) لشاعر شاب يقتحم الساحة.
سركون
بولص لم يقتحم الساحة، لقد دخلها هادئاً، نفسياً، محباً، غير متنافس.
كان يسدي النصيحة، ويقدم أطروحة الثقافة
الشعرية الرصينة، مقابل الخصومة، والمشتبك، والادعاء. لم يكن ليباهي بثقافته، وأن
حُقت له المباهاة.
هو يعتبر الشعر نتيج ثقافة عميقة وممارسةْ
ملموسة.
سركون بولص يكره الادعاء !
وأقول انه الشاعر الوحيد...
هو لم يكن سياسياً بأي حال.
لكنه أشجع كثيراً من الشعراء الكثار الذين
استعانوا برافعة السياسة حين ترفعُ... لكنهم هجروها حين اقتضت الخطر!
وقف ضد الاحتلال، ليس باعتباره سياسياً، إذ
لم يكن سركون بولص، البتة، سياسياً.
وقف ضد الاحتلال، لأن الشاعر، بالضرورة، يقف
ضد الاحتلال .
سُموَ موقفه
هو من سُمُوَ قصيدته .
***
قصيدته عن"السيد الأمريكي" نشيدٌ
للمقاومة الوطنية في العراق المحتل! سسسسس
قص
***;'''''ll.س عمان موقفه
إلا من باب الشعر الضيّق.
بدأ في مطلع الستينيات، مجهّزاً، مكتمل الأداة، مفاجِئاً وحكيماً في آن.
لم يكن لديه ذلك النزق (الضروريّ أحياناً) لشاعرٍ شابٍّ يقتحم الساحة.
يدخل الشعر إلا من باب الشعر الضيّق.
بدأ في مطلع الستينيات، مجهّزاً، مكتمل الأداة، مفاجِئاً وحكيماً في آن.
لم يكن لديه ذلك النزق (الضروريّ أحياناً) لشاعرٍ شابٍّ يقتحم الساحة.
لم يكن ليباهي بثقافته، وإن حُقّتْ له المباهاة.
هو يعتبرُ الشعرَ
بدأ في مطلع الستينيات، مجهّزاً، مكتمل الأداة، مفاجِئاً وحكيماً في آن.
لم يكن لديه ذلك النزق (الضروريّ أحياناً) لشاعرٍ شابٍّ يقتحم الساحة.
يدخل الشعر إلا من باب الشعر الضيّق.
بدأ في مطلع الستينيات، مجهّزاً، مكتمل الأداة، مفاجِئاً وحكيماً في آن.
لم يكن لديه ذلك النزق (الضروريّ أحياناً) لشاعرٍ شابٍّ يقتحم الساحة.
لم يكن ليباهي بثقافته، وإن حُقّتْ له المباهاة.
هو يعتبرُ الشعرَ
تعانوا برافعة السياسة حين
تَرْفعُ…
لكنهم هجروها حين اقتضت الخطر!
وقف ضدّ الاحتلال، ليس باعتباره سياسياً، إذ لم يكن ، البتةَ، سياسياً.
وقفَ ضد الاحتلال، لأن الشاعر، بالضرورة، يقف ضد الاحتلال.
سُمُوُّ موقفِه
هو من سُمُوّ قصيدته.
لكنهم هجروها حين اقتضت الخطر!
وقف ضدّ الاحتلال، ليس باعتباره سياسياً، إذ لم يكن ، البتةَ، سياسياً.
وقفَ ضد الاحتلال، لأن الشاعر، بالضرورة، يقف ضد الاحتلال.
سُمُوُّ موقفِه
هو من سُمُوّ قصيدته.
لقد دخلَها هادئاً، نفيساً،
محبّاً، غير متنافسٍ.
كان يسدي النصيحةَ، ويقدم أطروحة الثقافة الشعرية الرصينة، مقابل الخصومةِ، والمشتبَكِ، والادّعاء.
لم يكن ليباهي بثقافته، وإن حُقّتْ له المباهاة.
هو يعتبرُ الشعرَ
كان يسدي النصيحةَ، ويقدم أطروحة الثقافة الشعرية الرصينة، مقابل الخصومةِ، والمشتبَكِ، والادّعاء.
لم يكن ليباهي بثقافته، وإن حُقّتْ له المباهاة.
هو يعتبرُ الشعرَ
من باب الشعر الضيّق.
بدأ في مطلع الستينيات، مجهّزاً، مكتمل الأداة، مفاجِئاً وحكيماً في آن.
لم يكن لديه ذلك النزق (الضروريّ أحياناً) لشاعرٍ شابٍّ يقتحم الساحة.
بدأ في مطلع الستينيات، مجهّزاً، مكتمل الأداة، مفاجِئاً وحكيماً في آن.
لم يكن لديه ذلك النزق (الضروريّ أحياناً) لشاعرٍ شابٍّ يقتحم الساحة.
موقفِه
هو من سُمُوّ قصيدته.
هو من سُمُوّ قصيدته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق